البطريرك الراعي: لا يُبنى وطن بالسلاح أو الشعارات أو التحديات / جريدة الأيام الإلكترونية
لبنان اليوم يحتاج إلى مسؤولين وإلى شعب قادر أن يقول "نعم" للخير العام، "نعم" للحق، "نعم" لبناء دولة عادلة، "نعم" لانطلاقة جديدة رغم التعب، "نعم" للوحدة بدل الانقسام، وللرجاء بدل اليأس. فالوطن الذي قال كلمته بوضوح يعرف أن ينهض، والوطن الذي يقبل الحقيقة لا يمكن أن يبقى في الظلمة، والوطن الذي يفتح باب الضمير يستطيع أن يولد من جديد. كما كانت بشارة مريم انتقالًا من الانتظار إلى الولادة، لبنان اليوم بحاجة إلى أن ينتقل من الأزمات المتراكمة إلى نهضة جديدة، من الشلل السياسي إلى قرار شجاع، من الصراع إلى تعاون، ومن الخوف إلى الرجاء. البشارة تقول لنا إن كلّ تغيير يبدأ من الداخل، من القلب الذي يترك لله مكانًا ليعمل. فلتكن هذه البشارة دعوة إلى وطننا ليجد هويته من جديد، وليعرف أن الخلاص لا يأتي من الخارج، بل من الداخل، من ضمير حيّ، ومن قدرة على أن نقول: "ليكن لوطننا بحسب مشيئة الحقّ، لا بحسب مصالح البشر. كثيرون يسمعون صراخ الوطن، لكنّ قلة تقبل أن تحمل الرسالة كما حملتها مريم. لبنان يحتاج اليوم إلى رجال ونساء يقولون: «نحن مستعدّون، نحن خدام الخير العام.» إن الخلاص لا يأتي بالقوّة، بل بالنعمة. لا يُبنى وطن بالسلاح أو الشعارات أو التحديات، بل بعمل داخلي يشبه عمل الروح القدس في مريم: هادئ، عميق، ثابت، ومُبدّل للحياة. إنّ النهاية الجديدة تبدأ من لحظة قبول بسيطة. كلمة واحدة من مريم غيّرت التاريخ: «ليكن لي حسب قولك.» كلمة صدق واحدة في السياسة تكفي لفتح أبواب الخلاص الوطني".
وختم الراعي: "احتفل لبنان بالأمس بعيد استقلاله الثاني والثمانين، وهو اليوم الذي استعاد فيه الوطن كرامته وسيادته وحقّه في أن يكتب مستقبله بيده. ليس الاستقلال زينة أعلام ولا احتفالات عابرة فقط، بل هو وعد وطني يتجدّد كل عام: وعد بأن هذه الأرض لم تولد للظلام، بل للنور؛ وبأن هذا الشعب لم يُخلق للانقسام، بل ليكون واحدًا؛ وبأن لبنان، رغم جراحه، قادر أن يبدأ من جديد إذا اجتمع أبناؤه حول إرادة صادقة. عيد الاستقلال بالأمس يحمل في جوهره الرسالة ذاتها التي ظهرت يوم الناصرة: رسالة تقول إن الله قادر أن يصنع بداية جديدة من قلب البساطة، وإن التغيير الحقيقي يبدأ حين يقول الإنسان "ها أنا" أمام مسؤوليته. كما حملت مريم مشروع الله إلى العالم، يحمل اللبنانيون اليوم مشروع وطن ينهض من تحت الركام، إذا اختاروا أن يلتزموا بحقيقته وهويته ورسالة وجوده. لبنان يحتاج اليوم إلى تلك الشجاعة الهادئة التي ظهرت في قلب العذراء: شجاعة تُحوّل الخوف إلى ثقة، والتردد إلى فعل، والألم إلى رجاء. لنصلِّ، أيها الإخوة والأخوات، لكي يمنحنا الله، بشفاعة أمنا مريم العذراء، أن نصغي مثلها إلى كلمة الله، ونقبلها في قلوبنا، فتأتي ثمارها الوفيرة، رافعين المجد لله، الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين".
