28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين | نقاش في المنهج / جريدة الأيام الإلكترونية

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين | نقاش في المنهج / جريدة الأيام الإلكترونية عبد المجيد زراقط :
في اتصال بي ، رأى أحد الأصدقاء أنَّ تبيُّن أدبية النص يقتضي أن يُدرس النص ، بوصفه بنيةً مستقلة مغلقةً .
قلت له : هذا صحيح ان أردنا وصف " الدال " = الوجه الأول من وجهي العلامة اللغوية ، وتبيُّن خصائصه اللغوية ، أما اذا أردنا اكمال البحث ، بغية معرفة " المدلول " = الوجه الثاني من وجهي العلامة اللغوية ، فينبغي اعتماد منهج يتيح ذلك ، ف"الدال" الأدبي ينزاح مدلوله ، وقد يتعدد هذا المدلول ، وهذا يحتاج الى تأويل ، والتأويل يحتاج الى " فتح " النص المغلق على الأبواب التي تقتضيها العلامة اللغوية ، ومنها وضع النص في سياقه التاريخي ، واعتماد المنهج السيميائي الثقافي ، في كشف المدلول ، أو المدلولات .
نحتاج الى مثال يحسم هذا النقاش . وتحضرني ، في هذا المقام ، رسالة ابن زيدون الاَتية :
" ... ، قد بلغ السيل الزُّبى ، ونالني ماحسبي به وكفى . وما أراني الَّا أُمرت بالسجود لاَدم ، فأبيت ، واستكبرت ، وقال لي نوح : اركب معنا ، قلت : ساَوي الى جبل يعصمني من الماء ، وأمرت ببناء الصرح لعلِّي أطلع الى اله موسى .... ، وشربت من النهر الذي ابتُلي به جيش طالوت ، وقدت الفيل لأبرهة ، وعاهدت قريشاً على مافي الصحيفة ، وتأوَّلت في بيعة العقبة ، ونفرت الى العير ببدر ، وانخذلت بثلث يوم أُحد ، وتخلَّفت عن صلاة العصر في قريظة ... " .
في وصف الدال ، يمكن القول : يتألف هذا النص من قسمين ، أولهما قصير ، وثانيهما طويل ، معجمه اللغوي مألوف ، مأخوذ من المعجم التاريخي الديني الاسلامي ، عباراته فعلية ، أفعالها ماضية ، مايفيد أنها قد حدثت ، قصيرة ، واضحة ، بسيطة التركيب ، معطوفة احداها على الأخرى ، الفاعل فيها " الأنا " ، المتمثل بضمير المتكلم ، مايعني أن " الأنا" هو المحور الذي تتركز فيه الأفعال جميعها .
ان توقفنا هنا نكون كمن اكتفى بوصف النص ، وهذا لايقدم معرفة وافية بالنص ، اذ ينبغي أن نكمل ، ونتبيَّن المدلول ، وهذا يقتضي أن نعرف دلالة المثل الذي يبدأ به النص ، وهذه الدلالة تفضي الى معرفة دلالة العبارة التي تلي . المثل والعبارة يفيدان أن الأذى الذي نال " الأنا " وصل الى ذروته . هذا الحضور يستحضر الغياب ، وهو : لماذا يحدث هذا !؟ ماذا فعل " الأنا " لتصيبه هذه المصيبة ؟
القسم الأول من النص يثير هذين السؤالين . ويأتي الجواب في القسم الثاني ، وفيه اشارات سريعة الى أحداث تاريخية ارتُكبت فيها اَثام كبرى ، يحتاج القارئ لكشف دلالاتها الى معرفة واسعة بالتاريخ الاسلامي ، وبقصص القراَن الكريم .
واذ يتبين القارئ دلالات هذه الاشارات ، يعرف أن الأذى الذي ناله " الأنا " هو الأذى الذي يمكن أن يناله مرتكب هذه الاَثام التاريخية الكبرى ، ولما كان " الأنا " لم يفعل شيئاً مما ذُكر ، يتبين سر مدلول هذا النص ، وهو تهكم " الأنا " / محور النص على من اَذاه ولومه ، والقول له : كفَّ عن ايذائك لي . يكفي مانالني منك . كفى ، لقد أخطأت في ماسبَّبته لي من أذى ، لقد بلغ السيل الزبى ، وبيان أنه مظلوم ، وينبغي الاعتذار منه ، وهنا ينفتح النص على دلالات كثيرة ، يُترك للقارئ أن ينتجها ، ويُعجب بأدب ابن زيدون ، وطرافة تهكمه وجدَّة هذا التهكم الساخر الكاشف فداحة خطأ الاَخر الذي اَذاه ... .
في أي حال ، النقاش مفتوح ، وما كان هذ المقال الأسبوعي ، في الأساس ، الا من أجل التداول واثارة النقاش .
د. عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص وروائي