28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين | اختصاص المنهج وخصوصيَّته وإشكاليَّة الاستهلاك / جريدة الأيام الإلكترونية

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين | اختصاص المنهج وخصوصيَّته وإشكاليَّة الاستهلاك / جريدة الأيام الإلكترونية عبد المجيد زراقط :
المسألة، في مايتعلق باختيار المنهج ، هي مسألة منهج مختص بتحقيق هدف لايحقِّقه أي منهج اَخر سواه . وهنا يرتفع صوت بالقول: لمَ نكتفي بتلقي المناهج الغربية واستهلاكها، ولا ننتج مناهجنا ؟ ونخلص إلى بلورة مذاهب ونظريات أدبية خاصة بنا؟
هذا الصوت الذي لا ينفك يرتفع محقٌّ في قوله، وهو ينطق بالإشكالية الأساس في تاريخنا المعاصر على مختلف الصُّعد، فنحن مستهلكون ولسنا منتجين. في سبيل حلِّ هذه الاشكالية، على مستوى الإبداع الأدبي، نرى أن يترك الأديب لتجربته الحياتية التاريخية الكيانية التي يدخل في تكوينها التراث القومي والوافد، أن تبدع الأدب الذي يمثلها. ثم يأتي دور النقد، فالمفروض أن يصدر هذا النقد عن النصوص، وأن يستخدم المنهج الملائم لكل نص، والقادر على أداء المهمة المنوطة به، وهنا لاضير في استخدام إجراءات المناهج الغربية الحديثة وأدواتها، شريطة أن تنطلق من النص لا أن تسقط عليه مقولاتها، واذ يتم ذلك، ويتم تبين الخصائص الأدبية وبلورتها، يتم رصد الظواهر الأدبية وكشفها، ووضع مبادئ المذاهب والنظريات الأدبية.
قد أكون بحاجة إلى تقديم مثال يوضح ماأذهب اليه ويؤيِّده، فالمنهج السردي الغربي يستخدم مصطلح الراوي في تحليله، ويصنِّفه في أنواع، وعندما يبحث الناقد العربي في المقامة، ويستخدم هذا المنهج، يتبيَّن له أن الراوي في هذا النوع القصصي مختلف، فيقرِّر ذلك، ويعدِّل المنهج ليلائم النص السردي العربي، ويتبيَّن خصائص النص وفاقا للمنهج المعدَّل الذي أملاه النص موضوع الدراسة، ولا يلوي عنق النص ليستقيم والمنهج الغربي . المهم، في هذا الشأن، وفي كل شأن، الانتاج وليس الاستهلاك، وحبَّذا لو ارتقى الانتاج إلى مستوى الابداع.
النَّاقد الحصيف
ينبغي أن نقرَّ بأن معرفة المناهج النقدية لاتكفي لتكوين الناقد الذي يستأهل حمل هذه الصفة؛ إذ لا بد للناقد الحصيف من الموهبة أولاً، والمعرفة ثانياً، والمعرفة التي نعني ليست معرفة محدودة ساكنة، وإنَّما هي معرفة موسوعية متجدِّدة على الدوام، والدُّربة الطويلة ثالثاً، والذوق الأدبي المثقف المدرَّب رابعاً؛ وذلك لأن المبادئ المنهجية لا تستطيع أن تنفذ إلى " لطائف" في النص الأدبي لا يدركها إلا هذا الذوق المرهف، وإلى هذا قصد الناقد العربي الكبير، الآمدي، حين قال: "إن من الأشياء أشياء تدركها المعرفة، ولا تحيط بها الصفة"، والأخلاق العلمية خامساً، فالنقاد الذين يصدرون عن أهواء أو معايير عقدية مسبقة يقعون في أخطاء كبرى، وإن كانوا يعتمدون مناهج نقدية حديثة. كما حدث ل"أرنست رينان"، عندما اعتمد مقولة العرق لدى دراسته الأدب العربي .
ختاماً، نخلص إلى القول:
في ضوء ما سبق، نخلص إلى القول: لا بدَّ من استخدام المناهج في النقد الأدبي، ولا بدّ من أن نعرف أن لكل منهج خصوصيته ووظيفته، وما يجعلنا نختار هذا المنهج أو ذاك هو الهدف الذي نريد تحقيقه. هذه الحقيقة تجعلنا نقرُّ بـ«تعدُّدية» المناهج وتكاملها، فلكل باب طريقه، وتعدُّد الأبواب يقضي بتعدُّد الطُّرق، والمهم أن يمتلك الناقد «عدَّته» اللازمة والكافية، وأن يتقن عمله، فإتقان العمل أمر عبادي، كما يُفهم من الحديث الشريف في هذا الشأن.
الدكتور عبد المجيد زراقط - أكاديمي - ناقد أدبي - قاص وروائي
جريدة الأيام الإلكترونية. الصفحة الثقافية