28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

بَيَانُ الطفولة…/ شعر: عبد الغني طليس

بَيَانُ الطفولة…/ شعر: عبد الغني طليس سَفَري طويلٌ، والطفولةُ مَرجِعي/ مهما كَبُرتُ.. ستَصغُرُ الدُّنيا معي
وبكلِّ عُنوانٍ رفَضْتُ دروبَهُ/ سأزيدُ مِنْ رَفْضي.. وأرفعُ إصبَعي.
■ ■ ■
ما زلتُ ذاكَ الطفلَ يُخرجُ رأسَهُ/ من هُوّةِ الشُّبَّاكِ... ما لم يُمنَعِ
طفلٌ يُجَرِّدُ صوتَهُ مِلْءَ المَدى/ ويرى بكلّ كيانِهِ …ما يدّعي !
ما زلتُ أشربُ مِنْ عيونِ الماءِ في/ كلِّ القُرَى… وخريرُها في مَسْمَعي
ما زلتُ أرجو منْ عصَافيري إذا/ شَعَرَتْ بِخوفٍ ، أنْ تُغادِرَ مَرْبَعي
ما زلتُ للمُحتاجِ أطلبُ رِزقةً/ موفورةً... من غيرِ مَدِّ الأذرُعِ
ولِبَعْلَبَكَّ دليلُها في هَيْأتي/ جاهُ الممالكِ مِنْ جهاتٍ أربَعِ
ولِنِسْوَةِ التنُّورِ أنْ يُعطينني/ ذاكَ الرّغيفَ السُّخْنَ:هذا مَطمَعي
ما زلتُ أسألُ جَدّتي عن طُولِها/ وأموتُ مِنْ قَهري إذا لم تَسْمَعِ
وعيون جَدّي الزُّرْقُ تقرأُ لَذّةً/ «نهجَ البلاغةِ» بالخَيَال الأوسَعِ
ما زلتُ أنظُرُ بطْنَ أُمّي حاملاً/ رَتْلاً منَ الأولادِ.. دونَ تَمَنُّعِ
وأبي يراقبُ مُشتَهَى صِبيانِهِ/ مُسْتوثِقاً جدّاً بطِيْبِ المَقْلَعِ
والأُخوةُ المُتَدَفّقونَ كأنهمْ/ حرَسُ الحدودِ ببيتِ عِزٍّ أَلْمَعي
■ ■ ■
ما زلتُ في فَرَحٍ أَقودُ يَدِي إلى/ جَيْبي... فآكُلُ مِنْ زَبيبٍ مُشْبِعِ
وتضيقُ مدرسةٌ... ويكبرُ ملعبٌ/ فإذا الصغارُ إلى الهروبِ المُشْرَعِ
ما زلتُ أشرُدُ في الطبيعةِ راقصاً/ أنّي أُخبّيءُ شاعراً ..في أضلُعي
وأُردّدُ الألحانَ مَفتوناً بها/ مُتسائلاً... وأنا متى لَحني أَعِي؟
ما زالتِ الأشجارُ تسكنُ ضِحْكتي/ وغُصُونُها تبكي هوىً... مِنْ أدمُعي
وعرفتُ كيفَ الوردُ يُرسلُ عِطرَهُ/ حتّى إلى الفجرِ الذي لم يَطْلَعِ
ما زالتِ الأنهارُ تسرقني إلى/ الوادي فأجعلُهَا «موسيقى» مَضجعي
وأعُدُّ أجنحةَ النجومِ وأقتفي/ ما دَلَّ عن قَمَرٍ حزينٍ مُوجَعِ
ما زالتِ السُّحُبُ العظيمةُ تنحني/ لأَصوغَ أحلامي ببَرقٍ طَيِّعِ
وأُنيرُ قلبي كي أُوَزِّعَهُ على/ ضُعفاء تاهوا في فراغٍ مُفزِعِ
ما زالتِ الكتُبُ التي غَيّبْتُها/ تَسطو على صَحْوي وتَقلِبُ مخدَعي
ومَنَحْتُ ذاكرتي فضاءً ماتِعاً/ أشقى بهِ مَعْ كلِّ شَقْوَةِ مُبدِعِ
لا الأربعونَ ولا غَدُ السّتينَ، لي/ شأنٌ بهِ … فالطفلُ حَدَّدَ موقعي.
■ ■ ■
سَفَري طويلٌ، والحياةُ كَذُوبَةٌ/ لكنني ما زلتُ عندَ المَطْلَعِ
فإذا حَزِنْتُ... فَضِدّ كَهْلٍ صِرْتُهُ/ فالطّفلُ في مَنْأىً بعيدٍ أرْفَعِ
هوَ فوقَ ناصيةِ الزمان أميرُها/ وهو آبْن ساعتِها أمامَ الرُّضَّعِ
لكنّهُ دوماً يحَذّرُني بأَنْ/ فوقَ الدفاترِ سوفَ يَحْدُثُ مَصْرعي.
عبد الغني طليس
* شاعر لبناني، وإعلامي