28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

د. خليل أبو جهجه - فَقْد المرحوم الأستاذ علي يوسف مفجع ومؤلم/جريدة الأيام الإلكترونية

د. خليل أبو جهجه - فَقْد المرحوم الأستاذ علي يوسف مفجع ومؤلم/جريدة الأيام الإلكترونية في غرّةالعام ( ٢٠٢٢ ) رحل صديق العمر ورفيق الدرب الطويل الأستاذ علي حسين يوسف ، أفجعني خبر وفاته وأحزنني وآلمني كثيرا ؛ على الرغم من معرفتي بحراجة وضعه الصحي منذ سنوات . بعد قراءة نعيه ، صُدمت ووددت تكذيب ما قرأت ، وتذكرت على الفور قول المتنبي :
"طوى الجزيرة حتى جاءني خبر / فزعت فيه بآمالي إلى الكذب"
رحل حاملا على كتفيه - ولم يسأم - عبء ثلاث وثمانين سنة ، حافلة بالعمل المجدي والعطاء الدائم ، في ميادين الحياة ، منذ الصغر حتى نهايات العمر . كان رجلا استثنائيا فكرا وممارسة ، قولا وكتابة . عصاميا رجل موقف ومبدأ لا يتقلبان ، انسجاما مع قناعاته المكوّنه ، بعد تفكّر وتأن . اتسمت مسيرة عمره بعلامات عديدة ، مميّزة ولافتة . كل علامة تستحق صفحات من الكتابة . ولكن لضيق المجال واحتراما لخصوصية ، ما كتبه في سيرته الذاتية المخطوطة التي أخبرنا عنها غير مرّة ، ساسرد عددا من تلك العلامات ، بإيجاز شديد ، على أمل تفصيلها لاحقا . وأذكر منها : - أنه عاش في كنف عائلة عامليّة كريمة مزارعة في قريتنا حانين ، من ثمانية افراد : والدان وخمس بنات وصبيّ وحيد ، تعاونت وتكافلت الأسرة ، بجميع أعضائها - وعلى الرغم من ضيق الحال وكلفة المدارس - أكمل الابن تعليمه حتى وصل الى التخرّج من الجامعة وفقا للمسار الآتي : - بداية دخل الكتّاب في القرية طفلا صغيرا . وبعدها انتقل إلى التعلّم في مدارس القرى المجاورة ، وصولا إلى مدينة صور (ثانوية الجعفريّة ) . وكان أول شاب من قريتنا ينال الشهادة المتوسطة . ويدخل إلى دار المعلمين ليتخرج معلما رسميا منتجا ، ثم انتسب إلى الجامعة اللبنانية لينال إجازة في الفلسفة وعلم الاجتماع ، العام (١٩٦٤) . وبعد مدّة وجيزة ، عين استاذ تعليم ثانوي ، في إثر مباراة في مجلس الخدمة المدنية ، اشتدّت فيها المنافسة. إن ما أنجزه هذا العامليّ الطموح هو نجاح استثنائي ونوعي ، لأن عدد من وصل في حينه، إلى هذا المستوى من التحصيل العلمي في قضاء بنت جبيل ، لم يكن يتجاوز عدد أصابع اليدبن، وبذلك تطورت مسيرته التربوية ؛ معلما في منطقة بنت جبيل ، وصولا إلى جبل لبنان رغما منه ، منفيا من قبل الإقطاع السياسي ، إلى ( ثانوية برجا) . وبعدها علّم في عدد من الثانويات وصولا إلى بيروت . لقد كان مربيا متميّزا يعطي بإخلاص وتفان ، أحبه زملاؤه وطلابه بشهادة الجميع . - وكان ابا محبا وعطوفا ، لأسرة صالحة ومميّزة من سبعة ابناء وبنات ، حصلوا جميعهم برعايته وحدبه ، علما وفيرا ، وغدوا اساتذة جامعيين واختصاصيين ؛ صيدلة وهندسة وغيرها ....
-ولا بدّ من الإشارة الى ميزة علي يوسف الإنسان ، المحبّ والداعي إلى التعاون والتآزر والمحبة ، والداعم للقريب والبعيد معنويا وعاطفيا وماديا ، بخفر وسريّة تامّين ، كمن لاتعرف شماله ما قدمت يمينه ، على الرغم من محدودية امكانياته (موظف براتب محدود) .
- مارس العمل الحزبي والسياسي المنظّم بحماسة واندفاع ، منذ اوائل الخمسينيات حتى أوائل الثمانينيات وكان مثالا وقدوة ؛ في الإلتزام الحزبيّ والفهم السياسيّ الرائد لجميع من عمل معه تقريبا . لم يعرف عنه سعي إلى كسب ماديّ من عمله السياسيّ او منفعة شخصية . وامتدّ نشاطه السياسيّ والاجتماعيّ إلى المستوى الوطني . حمل الفكر القومي العربي الوحدوي . وكان هذا الفكر الموجّه الأساس لسيرته ومسيرته وسلوكه . آمن بأحقية القضية الفلسطينيّة ودافع عنها وعن مقاومتها بالفكر والقول والممارسة . كما قاوم الإحتلال الصهيوني للبنان ، بما استطاع . داعما المقاومة قبل تحرير ال ٢٠٠٠ وبعده . قولا وفعلا وكتابة .
- أسهم بفعالية كبيرة ، في قيادة انتفاضة ابناء قريته حانين للدفاع عن بيوتهم وأراضيهم وأرزاقهم ، يوم حاول الإقطاع السياسي السطو عليها . وعانى مع غيره من أبنائها ، تعسف السلطة من ملاحقة واعتقال ومحاكمات ، وصولا الى تهديده بوظيفته ونقله كرها إلى ثانوية برجا بعيدا من قريته كما أشرنا أعلاه فلم يتذمر ولم ييأس وتميّز بالجرأة والمواجهة . والمواقف المبدئية ، إذ ترشّح في الإنتخابات العام ( ١٩٧٢ ) ، مواجها أزلام الإقطاع السياسي ، وكان في خطوته هذه كالقابض على النار ، وانتخبه مايفوق (٢٥٠٠ صوتا)
. وبعدها لم ننج وإيّاه سنة ( ١٩٧٦ ) ، مع جمبع ابناء قريتنا ، من ظلم الصهاينة وعملائهم ، يوم قاموا بتهجيرنا وتهديم بيوتنا وتخريب أرزاقنا ، بعد محاصرتنا ما يزيد على الخمسين يوما . وبعد ربع قرن من الزمن وتحديدا العام (٢٠٠٠ ) . تحررت قرى عاملة علي أيدي المقاومين الأبطال ، وعشنا عرس التحرير ، وأعدنا إعمار قريتنا ، وكان للأستاذ علي دور أساسي في هذا الاعمار والبناء ؛ على المستوبات كافة .
واستكمالا لمسيرة فقيدنا الغالي ، سأشير إلى أنه بعد الإجتياح الإسرائيلي انتقل إلى السكن في بيروت . متابعا مسيرته النضاليّة . وبعد استقالته من التعليم ، اتجه إلى البحث والتأليف ، ولاسيما في المجالات الإسلامية والبحثية وأدّى دور الخبير والمشرف ، في غير مؤسسة تربوية . ونشر عددا من المؤلفات ، والأبحاث في مجلات ودوريات عديدة ، أذكر منها : البلاد والوحدة الإسلامية ......
هذه عينة من محطات حياة الحاج الأستاذ علي حسين يوسف ، الاخ الغالي والصديق الصدوق ، الخلوق اللطيف والمحبّ كريم النفس واليد ، المفكر الهادئ والرزين ، المحدث اللبق وصاحب الذاكرة القوية والمنطق المقنع . لن ننساك يا أخي ما حيينا وستبقى ذكراك حيّة بيننا ، وسيرتك على ألسنتنا . إلى جنان الخلد يا رفيق العمر وعشيره . وللحديث والكتابة عنك صلة، خصوصا في ما له علاقة بذكريات النضال السياسي المشترك لمدّة تفوق ربع قرن من زمن والأحداث التي واجهناها سوية وما أكثرها !!! وتلك المتّصلة بالزمالة المهنيّة والجوار في السكن لسنوات طوال .... (الفاتحة لروح الفقيد ) .
د. خليل أبو جهجه- عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية سابقا.
حالياً أستاذ الدراسات العليا في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية