28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

هل ستقع أميركا والصين في فخ ثيوسيديدس؟ بقلم :جيرار ديب

هل ستقع أميركا والصين في فخ ثيوسيديدس؟ بقلم :جيرار ديب كتب جيرار ديب :
ذكر المؤرخ اليوناني القديم، ثيوسيديديز: "كان صعود أثينا، والخوف الذي بثّه ذلك الصعود في اسبرطة، هو ما جعل الحرب بينهما حتمية". كان ثيوسيديديز يكتب عن الحرب البيلوبونيزية التي ابتلعت وطنه، بين المدينة –الدولة أثينا الصاعدة، والمدينة-الدولة أسبرطة القوة المهيمنة آنذاك.
لقد آمنت أثينا، بأن تقدمها وتطورها أمر جيد لترسيخ حضورها على الساحة العالمية، ولتصبح قوة صاعدة. هذا ما أثار ذعر القوة المتحكمة، أسبرطة، الأمر الذي دفع بها لاختيار الحرب مع أثينا، للحدّ من طموحاتها. هذا القدر المحتوم لوقوع الحرب بينهما، أطلق عليه ثيوسيديديز بالفخ.
انطلاقًا من مفهوم الفخ الذي يصطاد الدول بحسب ثيوسيديديز، ربطت ُهذا بما يحدث اليوم، متسائلًا: هل، تمثل اليوم الصين أثينا الصاعدة، والولايات المتحدة أسبرطة المهيمنة؟ وهل سيقعان في فخ ثيوسيديديز، وتكون بينهما الحرب " قدر محتوم"؟ أم سيستطيعان سويًا الإفلات من هذا الفخ؟
لم يشهد العالم، من قبل، شيئًا يشبه التغير التكتوني السريع لموازين القوة العالمية، الذي نتج عن صعود الصين. بالأرقام، وبعد الحرب العالمية الثانية، كان نصيب الولايات المتحدة من إجمالي اقتصاد العالم 50%، وقد شهد تناقصًا في هذه النسبة لتصل في عام 1980 إلى 22%. بينما، الحال كان معاكسًا عند الصينيين الذين شهد نصيبهم الإجمالي من الإقتصاد العالمي تزايدًا من 2% عام 1980 إلى أكثر من 16% عام 2016.
ليس خفيًا بأن النمو الإقتصادي حوّل الصين إلى منافس سياسي وعسكري مخيف للولايات المتحدة. وبحسب العبارة المعلقة داخل البنتاغون:" إن تحتم علينا مواجهة عدو حقيقي، سوف نجد أنفسنا بورطة حقيقية". تعتبر الصين هي العدو المحتمل للولايات المتحدة الأميركية، لذا قد تصبح المنافسة مفتوحة على كافة الإحتمالات، إلا الحرب التدميرية بين الجبارين. فمنذ عام 2008 عندما أصابت الأزمة العالمية الولايات المتحدة تدخلت الصين بضخ المليارات من الدولارات داخل السوق الأميركي، كي تحميه من الإنهيار. هذا التصرف فاجأ المحللين، إذ كان المتوقع، أن يقضي التنين الصيني في الضربة القاضية على الكاويبوي الأميركي.
صحيح أن الصين، تحاول فرض سيادتها على الساحة الدولية، وتسعى لحجز مركز لها بين دول القرار. لكنّها بالطبع، لا تسعى للصدام مع الأميركي. فهي تعمل جاهدةً كي لا تقع في فخ ثيوسيديديز. إذ تدرك جيدًا أن حربًا مع الغرب، مهما كانت النتيجة، ستكون الخاسرة الرئيسية فيها. الأمر الذي سيفتح المجال لأعدائها التقليديين، وعلى رأسهم اليابان، من استغلال ضعفها، وفرض السيطرة في شرق آسيا.
وما يقلل من الوقوع في الفخ، هو الدين الذي تدينه الصين للولايات المتحدة. لا سيما، بعد الهجوم الياباني على قيادة البحرية الأميركية في بيرل هابور، في هاواي. حين أغرقت معظم قطع الأسطول الأميركي، الذي كان يتمركّز هناك. وقد برّرت اليابان هذا الهجوم، بأنه ردًا على العقوبات الأميركية عليها، لإجبارها على إيقاف اعتداءاتها الإقليمية، التي ترتكبها ضدّ الصين.
كما وتقرأ القيادة الشيوعية في الصين، جيدًا تاريخ الإتحاد السوفياتي عند دخوله إلى أفغانستان المسلمة، كيف اصطف في الصراع إلى جانب الأفغاني كل الدول الإسلامية دون استثناء، في وجه الكافر الشيوعي. لهذا لن تقدم الصين على أن تكون قطبًا شيوعيًا، كي لا تقع في المحظور الديني. لأن هذا، يتطلّب منها، فرض الهيمنة والسيطرة، تمامًا كما فعل الإتحاد السوفياتي سابقًأ، ما سيخلق عدائية لها لا سيما في الدول الإسلامية.
إضافة إلى ذلك، لا يجب أن ننسى، إن الظروف التي سمحت لانطلاقة الولايات المتحدة لم تعد متوفرة اليوم. فأميركا، استغلت انهاك اللاعبين الدوليين الرئيسيين في حرب عالمية ثانية، كما أن استخدامها للقنابل الذرية زرع الخوف في حكومات دول العالم، لا سيما بعد النتائج المرعبة للقنبلتين. أما عالمنا اليوم، لا يسمح للصين بفرض سيطرتها لوجود تنافس دولي غير مسبوق في الصراع الدولي. فبين الكوريتين، والهند والباكستان وصولًا لإسرائيل وإيران وتركيا، وبعدها الدول الأوروبية، وحلف الناتو وروسيا الإتحادية ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط، التي تقطع الطريق أمام طريق الحرير الثانية المزمع إحيائها، وناهيك عن قوة الولايات المتحدة بما تشكل من ربط العالم بالعملة أي الدولار، وبالشبكة العنكبوبية، وشركاتها المحتلة العالم، ووسائل إعلامها تبثّ المعلومة التي تريدها.
أخيرًا، لن تقع الصين كما وقعت أثينا في فخ العنجهية، حيث خاضت حرب الثلاثين عامًا مع اسبرطة وبالنهاية خسرتها. فالصين لا تستطيع الخسارة، لأنّ هذا سيعيدها إلى عهد الصين الشعبية – الزراعية، ما سيسبب أزمات داخلية داخل البلاد، فتدخلها في حروب لا تستطيع التخلص منها إلا عبر أجيال. القيادة الصينية، أذكى من أن تدخل في معركة السيطرة، في عالم ترهل، وهو يئنّ تحت أعباء اقتصادية طالت جميع الدول، وكيف اليوم في زمن كورونا، حيث الإقتصاد العالمي إلى تدهور سريع هذا ما عبّر عنه المدير العام ل"منظمة التجارة العالمية روبيرتو أزيفيدو إن "التقديرات الحالية تشير إلى أن الخسائر الاقتصادية من جائحة فيروس كورونا المستجد ستكون أكبر من تبعات أزمة العام 2008".
د. جيرار ديب - أستاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية.
المصدر :جريدة الأيام الإلكترونية.