28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

التكافل الاجتماعي :الحصن المنيع. الدكتورة سلام شمس الدين

التكافل الاجتماعي :الحصن المنيع. الدكتورة سلام شمس الدين التكافل الإجتماعي: ذلك الحصن المنيع
بقلم د. سلام شمس الدين.
في ظل الأزمة "الكورونية" الراهنة وتداعياتها الصحية والاقتصادية والمعيشية والنفسية على البشرية جمعاء، وعلى أبناء وطننا العزيز لبنان، بادرت الحكومة من جهة، والشعب اللبناني من جهة أخرى، وبالتنسيق مع العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والجمعيات الأهلية والهيئات والجهات الفاعلة في المجتمع على مختلف أنواعها وتوجهاتها الدينية والحزبية والسياسية، بحملات دعم طالت المحافظات اللبنانية كافة، في إطار المشاركة الاجتماعية وبهدف تحقيق وتعزيز مبدأ التكافل الاجتماعي لدعم قضية مشتركة، وبناء عالم يسوده الأمل والتفاؤل. وهنا يستحضرني – كما يستحضر الغالبية العظمى في مجتمعنا - التساؤل الآتي: هل يعكس هذا التكافل الاجتماعي الذي نشهده اليوم على الساحة اللبنانية، تماسك الشعب ولحمته؟
لا يختلف اثنان، على أنه وفي كل أزمة يواجهها لبنان وشعبه، تتضافر الجهود مجتمعة، وتتوالى المبادرات الفردية والمؤسساتية والتطوعية المشرّفة والمشرقة، كلٌ في حدود إمكانياته دون منةٍ من أحدٍ على أحد، لتعكس بذلك روعة الفسيفساء اللبنانية والعادات المتجذرة في منظومة القيم، بعيداً عن كل أشكال الأنانية والتعصب المرضي، الذي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش. فتظهر حالة من التعاون والإيثار بين أفراده، وتتجلى أروع صور التكافل والتراحم والتشارك، فترى الجار يهب لمساعدة جاره، والمستثمر يعفو ويسامح المنتفعين من أملاكه لفترة معينة من الزمن، والأيادي الخيّرة البيضاء تتقاسم لقمة العيش مع أخواتها، والمتطوعون من مختلف الجهات يعملون على تفعيل صناديق التكافل والتعاضد والتعاون في كل أرجاء الوطن. الجميع هنا يقفون معاً جنباً إلى جنب صفاً واحداً وقلباً واحداً، وقفة تحدٍ لكل عوامل الفقر والقهر والألم، مجسدين بذلك أسمى معاني الإنسانية، في بوتقة من الوعي والحس بالمسؤولية، وبممارسة إرادية عفوية تكشف عن معدن شعبنا الأصيل الذي يتحلى بروح التضامن والإخاء والمودة والرحمة، في سبيل التخفيف من معاناة شريحة كبيرة من المواطنين وتوفير سُبل الحياة الكريمة لهم.
إن التكافل الاجتماعي لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يتعداه ليشمل الجانب المعنوي، فتجد حالة من الإحتواء بين الناس، يؤازرون بعضهم من بعيد ويعملون على إشاعة الطمأنينة والتفاؤل في النفوس. الكلّ يشعر بأن عليه واجبات تجاه أخيه في المواطنة والإنسانية، بالإضافة إلى المساهمة في الحملات الإعلامية التوعوية للشعب سواء من خلال وسائل الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعي، أم من خلال الجهات المحلية في المدن والقرى، والتي تكاتفت جميعاً في توعية المواطنين تجاه هذه الجائحة، حيث طرحت سبل الوقاية الصحية، وعملت على تعزيز المناعة النفسية وبث الرسائل التحفيزية، ناهيك عن تبادل الخبرات المحلية والعالمية لزيادة القدرة على المواجهة، وذلك وفق آلية تشاركية بين الحكومة والمختصين كل من موقعه وفي مجال اختصاصه، لتوزّع بالتالي المسؤوليات بين المؤسسات المجتمعية كافة.
ويجمع الخبراء على أنه في منهجية التكافل والتضامن الإجتماعي هذه، تكمن قوة الشعب ومنعته، وتبرز منظومة القيم الانسانية والأخلاقية العليا، وتثبت أيضاً أن هذا الشعب ومهما فرقت السياسة بينه، في كل الأزمات وفي كل الظروف بأنه شعب واحد منتمٍ فعلاً لأهله ووطنه، شعب يتمتع بروح المواطنة الحقيقة الفاعلة.
وهكذا تظهر – وفي كل مرة - صورة مجتمعنا اللبناني بأبهى حلتها، مجتمع لا يظهر فيه إلا الخير. وما ذلك إلا دليل على أن هذا المجتمع هو مجتمع قيمي، متماسك بامتياز. فبتماسكه وتكاتفه، بمنعته وقوته، ببنيانه المرصوص، بلحمته وانفتاحه، بثقافته ومحبته، سوف يرقى ويرأب جميع التصدعات والتشققات التي حلت به، وسوف يحقق بصموده وبذور الخير المتجذرة فيه، نمواً ونماءً وازدهاراً للوطن والشعب.
لقد آن الاوان، كي نعيد النظر في أولوياتنا جميعاً، ونشبك أيادينا بعضها ببعض، ونضع جهودنا جنباً إلى جنب، ونرتقي بمستوى تفكير يقود نحو رسم حياة جديدة، حياة ملؤها سعيٌ للعيش الكريم، ولننعم بالسلم والأمن النفسي والاجتماعي، ولنكن - دوماً- نموذجاً للعالم أجمع. ليبقى لبنان وطن التكافل والخير والتعايش المشترك، لبنان المحبة والسلام.
وليبقى العالم أجمع، مزدهراً بالخير والأمل والحياة.
د. سلام شمس الدين-متخصصة في العلوم الاجتماعية.
المصدر :الايام