28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

عالم يُعاد بناؤه. بقلم د. جيرار ديب

عالم يُعاد بناؤه. بقلم د. جيرار ديب عالم يعاد بناؤه.
. بقلم د. جيرار ديب
لم يتفاجأ العالم بسرعة انتشار الفيروس كوروبا، الذي بات وباءًا عالميًا، فهذا طبيعي لأي أنفلوانزا. ولكن الأمر الذي صعق العالم، وجعله مذهولًا أمام ما يحدث، هو السقوط المدوي لدول شكًلت في ذهن العالمي، بأنّها متطورة لدرجة، أنّها قاردة على تحدّي الأخطار، والدفاع عن شعبها مهما كان الخطر والعدو قوي. لهذا، تسارعت التحليلات والأقاويل، متمركزة حول الإشكالية التالية: هل العالم يعاد بناؤه؟
في خضم تداخل البيانات حول انتشار كورونا، وربطها بمصير العالم ما بعد كورونا، انطلقت توقعات بسقوط الغرب الأميركي – الأوروبي، لا سيما بعد تفكك المنظومة الصحية في أوروبا، وتسجيل الولايات المتحدة أعلى نسبة إصابات في العالم. خصوصًا بعد سلسلة من التصاريح المرعبة لمسؤولين أوروبيين عن عجزهم أمام الكارثة. فها هو رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون الخميس 12 يستسلم، عندما قال "نحن الآن نصل إلى مرحلة التأخير... هذه ليست مجرد محاولة لاحتواء المرض بقدر الإمكان، ولكن لتأخير تفشيه".
في ذات السياق قال رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، تعليقًا على تفشي وباء كوفيد-19 في بلده: "انتهت حلول الأرض والأمر متروك للسماء". هذا والعالم ترقّب تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول علاج للوباء كورونا، وكيف أثار ردود فعل سريعة من شريحة كبيرة من الأطباء نفيًا وتحذيرًا. فهذا، إن دلّ على شيء، فعل مدى تخبّط الإدارة الأميركية أمام انتشار الفيروس، وهي واقفة عاجزة من فعل شيء أمام هذه الأزمة. الأمر الذي قد يؤثر عليه سلبًا على حملته الإنتخابية، لولاية ثانية للولايات المتحدة.
في مقابل هذه الصورة السيكونية للغرب في مواجهة كورونا، وانهيار المنظومة الصحية لديه، والتي تشبه صورة انسحاب آخر مروحية أميركية على سطح السفارة الأميركية في فيتنام. يقارن العالم، باستغراب، تعامل الشرق، لاسيما الصين مع الوباء، وكيف استطاعت بعد خمسين يومًا الحدً من انتشاره وحصره وتخفيض عدد الاصابات والوفيات. لا بل، وقيامها بتقديم المساعدات للدول المنكوبة بالكورونا، ما لم تفعله الولايات المتحدة وأوروبا السباقتين في ذلك.
لكن ما لا يمكن معرفته، هو حقيقة تفشي وباء كورونا في الصين، لا سيما وأن السلطات الصينية لم تزل تعترف بوفيات مرضى كورونا، وبعدد إصابات الجديدة به، حتى لو لم تكن في ذات الوتيرة كما في السابق. وحتى لو اضّطر الرئيس الصيني، الحضور شخصيًا إلى قلب يوهان، في رسالة واضحة للسيطرة على المرض. إلا أنّ الكثير من الأسئلة من لم تزل تطرح حول جديّة تطويق الوباء، لا سيما في نظام متحكم بتفاصيل الحياة اليومية لإنسان، وموجّه بشكل كبير للإعلام ووسائله لديها. فهو بالأمس القريب، قام بطرد مراسلين وصحفيين لصالح صحف "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست"، ربما كي لا يصار إلى تسريب الحقيقة. كذلك، طريقة تعاطي السلطات الروسية مع انتشار هذا الوباء، والعمل على تطويقه، كأنها رسالة لأعداء روسيا، على أنها لن تتهاون مع كل من سيهدد الأمن الروسي واقتصاده. فقد أكّدت السلطات الروسية أن وباء كورونا المستجد "تحت السيطرة". لكن تعامل السلطات السلبي، لدى إدارة الأزمات يثير شكوك العديد من الروس الذين يسعتدوا للأسوأ. من كارثة تشيرنوبيل النووية، عام 1986، إلى الحرائق الضخمة في عام 2010، إذ يحفل التاريخ السوفييتي والروسي بفترات كان رد الفعل الأول للسلطات فيها هو إخفاء حجم الأضرار.
بغض النظر على نسبية تعاطي الدول مع هذا الوباء، إلا أن هذا لا ينعكس على وضع إعادة ترتيب الدول في العالم. ولا يعني، أن العالم يعاد بناؤه من جديد، على قاعدة أنه يتّجه نحو فرض قوة جديدة، على رأسها روسيا والصين. فعدم التعاطي مع الوباء بمهنية عالية، لا يبرر هيمنة الشرق على الغرب، لا سيما وأن الأوبئة عبر التاريخ كانت تصيب الدول والجيوش ولم تدفع بها نحو الإنهيار. فوباء الطاعون مثلًا، عندما أصاب الجيش العثماني عام 1911، لم يدفع بالسلطات العثمانية بالإنسحاب من دور العالمي، بل بعد ثلاث سنوات خاضت الحرب العالمية الأولى.
الملفت، ما ذكرته المتحدّثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، تعليقًا على تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، التي هاجم فيها الصين، متهمتًا أياه بشن حرب معلوماتية ضد بكين مستغلًا أزمة كورونا. فهذا، يوضّح مدى الجهوزية العالية للإدارة الأميركية لمواجهة الحلف الشرقي، والتصدّي لكل أشكال الهجومات السياسية والإقتصادية والمعلوماتية، حتى العسكرية كخيار أخير، كي لا تعطي أفضلية للحلف الجديد من فرض واقع عالمي جديد، أم إعادة بناء العالم على قاعدة كسر الأحادية، نحو بناءه على الثنائية والثلاثية العالمية.
أخيرًا، الصراع لم يعد تقليديا بين الدول، فلا يجب أن ننسى أن العالم تحرّكه مجموعة شركات متعددة الجنسيات تستحوذ على 80 % من أموال العالم، إضافة إلى ارتباط تداول العملات العالمية بالدولار، ودور شركات المعلوماتية الأميركية في بثّ المعلومة للعالم التي تناسبها، يساعدها في هذا امتلاكها لأكبر وسائل الإعلام العالمية. هذا لا يعني أن العالم مستحيل إعادة بنائه، ولكن بالطبع صعب تغييره في المرحلة القصيرة والمتوسطة لاعتبارات كثيرة.
. جيرار ديب. أستاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية
المصدر :الايام