آفاق الملف الايراني بعد الانتخابات الأميركية
من الملفات التي تشغل اذهان السياسيين والخبراء، قبل وبعد الانتخابات الأميركية، وخاصة الانتخابات مرتقبة هو الملف الايراني، لأسباب عديدة، في مقدمتها تشابك هذا الملف بملفات أخرى معقدة.
ومن الأسباب أيضا الموقع الجغرافي لايران وقربها من آبار النفط، وبشكل عام وجود ايران بمنطقة استراتيجية في غاية الأهمية، يجعل من الطبيعي أن تتأثر المنطقة بالوضع الايراني سواء كان هذا الوضع متأزما ومتوترا أو كان هادئا، ويمكننا الاستدلال على هذا الرأي بوضع المنطقة ما قبل الاتفاق النووي وما بعده، فقد شهدت المنطقة الهدوء والاستقرار بعد التوقيع على الاتفاق، ولكن منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وفرض العقوبات على ايران والى هذا اليوم لم تذق المنطقة الراحة والاستقرار.
من هنا فان الملف الايراني مهم بغض النظر عن أن يكون المتابع له محبا ومواليا للشعب والنظام الايراني أو مبغضا لكليهما أو محبا للشعب ومبغضا للنظام، بل تبلغ أهميته درجة حتى ان مصير بعض الملفات مرتبط بالسياسات الاقليمية والدولية تجاه ايران، وموقف طهران تجاه تلك السياسات. واذا قال بعض الايرانيين أن فوز مرشح الحزب الجمهوري الأميركي أو الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية لن يشكل فارقا لديهم، فيفسر قولهم هذا بأن السياسات العامة والاستراتيجيات سواء الأميركية أو الايرانية لن تتأثر بمجيء هذا أو ذاك، فعلى سبيل المثال فان تمسك ايران بأوراقها القوية كنفوذها في المنطقة وقدراتها العسكرية والصاروخية وبرنامجها النووي ودفاعها عن المظلومين والتصدي للظالمين؛ لن تتأثر بمجيء الجمهوري أو الديمقراطي، فلن تتنازل عن هذه الأوراق مهما كانت الضغوط الشديدة ولا يهمها ان كان الذي يمارس هذه الضغوط من الحزب الديمقراطي الأميركي أو الجمهوري، وفي المقابل فان الاستراتيجيات الاميركية كالتمسك بضمان أمن اسرائيل لن تتأثر بمجيء المرشح الجمهوري أو الديمقراطي، لذلك سيكون من الطبيعي أن العلاقة بين الادارة الأميركية والنظام الايراني لن تكون على مايرام نتيجة هذا التمسك.
ومن الطبيعي أيضا أن تتوتر العلاقة بين ايران وذلك الرئيس الأميركي الذي يضع كل ثقله الى جانب اسرائيل فيغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن ويوقف الدعم المالي لمنظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين وينسحب من اليونسكو وينقل سفارة بلده الى القدس المحتلة ويعترف بسيادة اسرائيل على الجولان ويرغم الدول العربية على التطبيع والاتفاق مع اسرائيل، لانه سيتخذ موقفا معاديا من الجهات والدول التي تعادي اسرائيل.
كل ذلك لا يعني وجود تطابق في السياسات الآنية والمؤقتة والتكتيكية لكلي المرشحين الجمهوري والديمقراطي تجاه الشؤون الداخلية والخارجية، وطالما كانت السياسات الخارجية الآنية ومتوسطة المدى للجمهوريين تختلف تماما عن الديمقراطيين تجاه ايران.
ولكن بشكل عام فان الملف الايراني سيشهد تغييرا كبيرا بعد الانتخابات الاميركية حتى لو فاز ترامب فيها، فما بالك اذا فاز بايدن؟ فعلى الرغم من أن الذين لا يريدون الغاء العقوبات عن ايران يروجون لفكرة أن السياسة الاميركية تجاه ايران لن تتغير حتى مع فوز بايدن، الا أن هؤلاء يعبرون عن آمالهم وامنياتهم، والواقع يشير الى حدوث انفراجة كبيرة في الملف الايراني مع فوز بايدن ومن المتوقع الغاء كافة العقوبات والعودة للاتفاق النووي. بل أن حدوث انفراج في الملف النووي متوقع حتى مع فوز ترامب في الانتخابات، فالى جانب التصريحات التي أطلقها ترامب، ومن بينها قوله انه سيبرم اتفاقا مع الايرانيين بعد فوزه في الانتخابات مباشرة؛ ظهرت مؤشرات على بوادر التهدئة بين طهران وواشنطن، من بينها الاتفاق الذي ابرمه البنك المركزي الايراني مع نظيره العراقي والذي يقضي بالافراج عن الاموال الايرانية المجمدة في العراق، وكذلك ما يتردد حول صفقة تبادل السجناء بين ايران والولايات المتحدة والايعاز لكوريا الجنوبية باطلاق أموال ايران المجمدة والتي تبلغ نحو 7 مليارات دولار.
ولا يمكن أن تقع هذه المستجدات والتطورات من دون أن تكون لها علاقة بالتصريح الخطير الذي أطلقه نائب قائد فيلق قدس لحرس الثورة الاسلامية العميد أمس الجمعة، عندما ألمح الى أن ادارة ترامب طلبت من طهران وقف العمليات خلال الانتخابات الاميركية، وكذلك فان هذه التطورات لا يمكن فصلها عن القرار الذي أصدرته فصائل المقاومة العراقية عندما أعلنت تجميد عمليات ضد القوات الأميركية.
واساسا ليس أمام ترامب سوى تغيير سياسته تجاه ايران حال فوزه في الانتخابات، لأن الاستمرار في التصعيد وعدم حل هذا الملف ينتهي بالتأكيد الى المواجهة العسكرية، خاصة وأن ايران مقبلة على الانتخابات الرئاسية ومن المؤكد أن التيار المبدئي هو الذي سيفوز فيها، وكل الدلائل تشير الى أن هذا التيار لا ينتهج السياسة التي انتهجها الرئيس روحاني تجاه الملف النووي، وسيواجه هذا التيار أي تصعيد أميركي بتصعيد آخر مماثل له أو أشد منه، عندها لن يكون هناك أمام الطرفين سوى المواجهة العسكرية، الأمر الذي ينأى عنه ترامب بشتى الاساليب والطرق.
اذا كان ترامب قد رفض الرد على اسقاط الطائرة الاميركية المسيرة في سماء الخليج الفارسي، ولم يرد على قصف قاعدة عين الأسد، فهل سيشن حربا شاملة ضد ايران، في الوقت الذي يسعى فيه الى حسر النفقات واعادة الجنود الاميركيين للبلاد وارغام الدول وخاصة دول المنطقة على ابرام الصفقات المختلفة وفي مقدمتها صفقات السلاح؟ لذلك فمن المتوقع أنه سيجنح للسلم ويغير سياسته تجاه ايران حال فوزه في الانتخابات.
صالح القزويني. كاتب ايراني
المصدر : جريدة رأي اليوم الإلكترونية
- علامات:
- إقليمي ودولي