المحاسبة ولا شيء يعلو فوق صوت المحاسبة. بقلم جيرار ديب
دخل مروان عبود، محافظ بيروت، في نوبة من البكاء والدموع وهو يتحدث عن الإنفجار الضخم الذي هزّ العاصمة اللبنانية، مساء يوم الثلاثاء المشؤوم. مروان عبود، عبّر عن هول الكارثة، بتشبيه ما حصل بمدينة هيروشيما اليابانية، بعدما استيقظ ما تبقى من سكانها على هول الدمار الذي خلّفته تلك القنبلة النووية،لإنهاء الحرب العالمية الثانية، وإخراج اليابان منهزمة. تقارير كثيرة سرّبت، وأخبار تناقلت بين اللبنانيين، الذين شعروا وسمعوا أصوات انفجارات متتالية، في أكثر من مدينة، لا سيما في محيط المرفأ. منهم من ذكر أنه شاهد الطيران الإسرائيلي، يقصف مستودع أسلحة لحزب الله آتية من إيران، متناقلين الخبر عن صحيفة هآرتز الإسرائيلية، أو مستندين إلى تصريحات رئيس وزراء العدو، بينيامين نتنياهو، عن العواقب الوخيمة للردّ الإسرائيلي على تصرفات الحزب، وليظهر فيما بعد أنّ تصريحه هذا أتى في صباح الثلاثاء المشؤوم، مع زيارة الأخير للشمال الإسرائيلي(فلسطين المحتلة).
كما وذكرت مصادر أخرى، عن انفجار مستودع المفرقعات النارية الموجود في المرفأ، هذا ما دحضه المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، بقوله: من السذاجة أن يعتقد البعض أن مستودع المفرقعات النارية، يحدث الزلزال النووي الحاصل في بيروت.
تضاربت المعلومات والتقارير الأمنية حول ما حدث، إلّا أن الجميع متفّق على أن ما حدث هو كارثة بذاتها. نعم أعلنها مجلس الدفاع الأعلى في جلسته بالأمس، بأنّ بيروت مدينة منكوبة. ولكن السؤال: منكوبة من مَن هذه المرّة؟ من المسؤول عن ما حصل؟ ومن سيحاسب ويحمي اللبنانيين من الاستهتار بحياتهم، والاستخفاف بعقولهم؟
لن ندخل في مجموعة الدول التي صرّحت عن استعدادها لمساعدة لبنان، لأنّ البلد بحاجة للمساعدة من أي دولة اليوم. لا شرق ولا غرب! قد قيلت في السابق لتحييد لبنان تداعيات الصراع الدولي في ذلك الوقت، وتجنيبه الإنقسامات الداخلية. أمّا اليوم فسنطلق الصرخة عاليًا لنقول: نعم للشرق ونعم للغرب، لمساعدة بيروت المنكوبة، نعم للوحدة الوطنية التي هي الخلاص الوحيد لخروج لبنان من كارثته، ومن أزماته.
من يظنّ أنّ هذه الكارثة ستوعي ضمير المسؤول يكون مخطئًا، فما شاهدناه من تصاريح أتت على لسان الجهلة منهم، يؤكّد لنا أن لا كارثة بيروت ولا غيرها من كوارث قادرة على تغيير عقولهم الحاقدة؛ كتلك التي أتت على لسان مروان حمادة من تحميله العهد المسؤولية، أو تصاريح فارس سعيد أو غيره.
الكارثة الحقيقية في لبنان، تكمن في نفسيات المسؤولين، الحاقدين، المستعدين لفعل أي شيء لتدمير الآخر؛ حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة لبنان، وشعبه. نحن نعيش اليوم أزمة وعي وطني حقيقي، أزمة متعشعشة في نفوس الكثيرين، وتظهر في تصرفاتهم وتصريحاتهم بعد كل كارثة. موضوع أزمة الوعي الوطني، يحتاج إلى إعادة هيكلة التعليم والتربية في لبنان، لتخريج أناس وطنيين، قبل تحميلهم الشهادات.
اليوم وأمام هذه الكارثة، نشدّ على يدّ رئيس الوزراء اللبناني، حسان دياب، الذي أتى على ذكر المحاسبة الشديدة لمسبّبي هذه الكارثة. سيدي الرئيس، لا تحاسب المسبب فقط، بل ابدأ بجردة محاسبة وحساب، ولا ترحم! اللبناني اليوم لا يريد إنجازات، لأنه يعلم أن دولته مهترئة؛ إنّما ينتظرك أن تحاسب، ومن الأفضل أن تكون المحاسبة ميدانية.
الوضع اليوم، يجب أن ينطلق من نقطة المحاسبة، لا لتمييع القضايا، واتركوا القضاء يفعل فعله. يجب احترام مبدأ فصل السلطات، وترك الجسم القضائي يصدر الإعدام بحقّ مسبّبي الكوارث، كلّ الكوارث. فبالأمس القريب كنّا نتكلّم عن اللحوم الفاسدة، أين أصبح الملف؟ وكيف حوسب المسؤول؟ ماذا عن ملف الفيول المغشوش الذي أجلس اللبناني في العتمة القاتلة، وقد أرهقته فاتورة المولدات وزادت من فقره فقرًا؟!
سيدي الرئيس، لا نريد وعودًا، بل تنفيذًا بالمحاسبة، والإعدام! فأرواح الناس وممتلكاتهم، ومستقبلهم مستباحة من قبل الزمرة الشبيحة الفاسدة المتحكّمة في تفاصيل الحكم في لبنان. حاسبوهم، قبل أن يحاسبوا أرواح مئات اللبنانيين الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يحبون لبنان ولا يريدون الهجرة منه. فخامة الرئيس، حاسب وبحزم ولا ترحم! فبيروت منكوبة، ولبنان مصدوم، واللبناني لا يريد إلّا إنجازاً واحدًا وهو المحاسبة. فكيف سيقوم لبنان، وكيف نحقق الإنجازات طالما الفاسد محمي، والناهب يتمتّع بمليارات ناس شقيت في جمعها...فضاع جنى العمر. البلد على المحكّ، ومصير استمراريته يتوقف على المحاسبة، وزرع الوعي الوطني من جديد في عقول أفسدتها سياسات تحكّمت في الحكم منذ الطائف إلى عام ٢٠٠٩. هذا هو المطلوب، ولو احتاج ذلك للوقت الطويل.
د. جيرار ديب - أستاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية
جريدة الأيام الإلكترونية. محليات