28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

عبد المجيد زراقط.. دور العلماء العامليِّين الأدبي {محمَّد بن الحسن الحرُّ العاملي (1033/1104هـ 1623/1692م)} / جريدة الأيام الإلكترونية

عبد المجيد زراقط.. دور العلماء العامليِّين الأدبي {محمَّد بن الحسن الحرُّ العاملي (1033/1104هـ 1623/1692م)} / جريدة الأيام الإلكترونية ولد محمَّد بن الحسن، الحرُّ العاملي، في بلدة مشغرى، الواقعة في البقاع الغربي، ليلة الجمعة الثامن من رجب سن 1033 هـ/ 1623م. في أسرة علميَّة عريقة أنجبت ولا تزال تنجب الكثير من العلماء – الفقهاء والشُّعراء. قرأ في بلدته جملةً من كتب العربيَّة والفقه وغيرها على أبيه، وعمَّه الشيخ محمد الحرّ وجدّه لأمّه الشيخ عبد السلام بن محمَّد الحر وخال أبيه الشيخ علي بن محمود، ثم انتقل إلى بلدة جباع، وكان يقطن فيها عدد من أفراد أسرته، وقرأ فيها على عدد من المشايخ، ونال إجازاتهم، وأقام فيها إلى أن دعته ظروف الحياة في جبل عامل إلى اتخاذ قرار بالهجرة إلى إيران. عاش في وطنه أربعين سنة، حجَّ فيها مرتين، وزار الأئمة عليهم السلام في العراق، ثم زار في السَّنة 1073 هـ/ 1662م، الأمام الرضا عليه السلام في مشهد – إيران، واتفق فيها مجاورته له، وسكن في تلك المدينة، حيث تولَّى منصب شيخ الإسلام وقاضي القضاة، وعلَّم في الصحن الرّضوي، إلى أن توفّي سنة 1104 هـ - 1692م، ودفن في المكان الذي أحبّ وجاور. ألَّف الكثير من الكتب معظمها في الحديث، ومنها: كتاب "الجواهر السَّنيَّة في الأحاديث القدسيَّة" و"الصَّحيفة الثَّانية من أدعية الإمام علي بن الحسين عليه السلام" و"تفصيل وسائل الشِّيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة"، و"هداية الأمَّة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام" و"فهرست وسائل الشِّيعة" و"الفوائد الطوسيَّة" و"إثبات الهداة بالنّصوص والمعجزات" و"أمل الآمل في علماء جبل عامل"، و"الفصول المهمَّة في أصول الأئمة"، علاوة على عدد من الرَّسائل، منها: "رسالة الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرَّجعة"، ورسالة في الردّ على الصوفيَّة، ورسالة في تسمية الإمام المهدي اسمها "كشف التَّعمية في حكم التّسمية".
له ديوان شعر لا يزال مخطوطاً، ذكر هو، في كتابه "أمل الآمل"، أنّه يتضمَّن، وكان كذلك عام 1073 هـ، ما يقارب العشرين ألف بيت، وتوجد نسخة منه في "كتابخانه ملك" في طهران، ونسخة أخرى في مكتبة السيِّد الحكيم العامَّة في النجف الأشرف()
. تفيد قراءة هذا التراث، من الكتب والرّسائل، أنَّ صاحبه فقيه محدِّث، وشاعر أديب، وعالم معلِّم. ويجد قارئ سيرته إجماعاً على وصفه بالمحدِّث، فيقرأ في وصفه عباراتٍ مثل: "شيخ المحدِّثين"، "محدِّث القرن الحادي عشر" و"نابغة الرّواية" و"خرِّيت علمي الفقه والحديث"().
ويرى كاتبو هذه السِّيرة أنَّه كان أخباريّاً صرفاً في اتجاهه الفقهي، ويعدّه بعض الباحثين المؤسِّس الحقيقي لهذه الحركة(). غير أنَّه، وهو في هذا المقام في اتجاهه، لم يذهب مذهب التَّعصُّب ومعاداة الاتجاه الآخر = الاتجاه الأصولي.
يرى الحرّ العاملي أن للشاعر دوراً مهمَّاً، وهو مدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام)، ولهذا ينصرف إلى نظم الشعر في أموره الخاصَّة وفي مدحهم. عملاً بقول الإمام الصادق (عليه السلام): "من قال فينا بيتاً من الشعر أعطاه الله بيتاً في الجنَّة". ويقول في ذلك: مدحهم خير قربة ظل يزري
بالعبادات أيّما إزراء
كلُّ بيتٍ منه ببيت من الجنـ
ـة يجزى، أكرم بذاك الجزاء
خبراً صادقاً رواه ثقاة النَّـ
قل لم نروه عن الضعفاء()
وقد ألَّف الشيخ الحر العاملي، الرَّائي إلى الأدب من هذا المنظور، في المجال الأدبي، كتاباً في التاريخ الثقافي هو "أمل الآمل، وقد طبع غير مرَّة، وديوان شعر لا يزال مخطوطاً، كما قلنا، ومقطوعات نثرية تتمثل في مقدّمات كتبه. تتميَّز لغة شعر الحر العاملي بألفة المعجم اللغوي وعذوبته، وببساطة العبارة ومتانتها وسهولتها ووضوحها، وبوفرة المحسِّنات البديعيَّة: اللفظية والمعنوية، وبإثارة المقابلات والمفارقات والثنائيات المفاجئة الباعثة على التأمّل والتدبُّر، ومن نماذج شعره قصيدته، في مدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)() التي تبدأ بذكر الأمكنة والأحبَّة:
جـــدَّ وجــدي لـفـرقــةٍ وتـنـاءٍ
عن رُبى أرض مكَّة الغرَّاء
وشجاني بُعد الحجاز خصوصاً
عند بعدي عن طِيْبة الفيحاء
والبدء بهذا الاستهلال تقليد شعري درج عليه الشعراء العرب منذ تقصيد القصائد، غير أن أماكن هذه القصيدة هي أماكن التجربة الحياتية المعيشة: مكة الغرَّاء، الحجاز، طيبة الفيحاء. ويبدو أن هذه الأمكنة كانت أنيسة له – السرَّاء في غربته الضرَّاء. ثم يخلص إلى المديح، وهو مديح تقليدي، تتكرَّر معانيه في قصائد معظم قصائد المديح الدِّيني.
نظم الحر العاملي الشعر في أوائل الشَّباب، وله، كما جاء في ترجمته لنفسه، سنة 1073 هـ، ديوان شعر يتضمَّن عشرين ألف بين من الشعر، أكثره في مدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) وفيه عدَّة منظومات: ويبدو أن قسماً كبيراً من شعره قد فُقد().
شعر الحر العاملي، كما جاء في "سلافة العصر "لعلي بن ميرزا أحمد، من العلماء القدماء "مستعذب الجنى، بديع المجتلى والمجتنى"()، وكما جاء في كتاب "الهجرة العاملية إلى إيران..."، للشيخ جعفر المهاجر، من العلماء المعاصرين: "يفاجئ قارئه، من حيث جودته وجزالته"().
يتوقف الحر العاملي عند الشاعر صفي الدِّين الحلِّي، ويعجب بقصيدته البديعة التي تشتمل على مئة وخمسين نوعاً من أنواع البديع ويرى فيها الأنموذج الشعري الجيد، ويعمد إلى النَّسج على منوالها، وتفيد قراءة شعره، علاوة على الأخبار المروية عنه، أنه كان من الشعراء المكثرين، سريعي النَّظم، واللافت أن شعر محسَّن بصنوف البديع.
والعالم الشاعر معلِّم يتولَّى تدريس العلوم الأصلية والفرعية، وكان من الشائع في عصره أن تنظم هذه العلوم، ليسهل حفظها، فنظم في مسائل الميراث والهندسة والرياضيات وأصول الفقه وعلم الكلام والنَّحو والصَّرف والاشتقاق وقواعد الخطّ والكتابة وعلم النجوم والفلك والفقه وصيغ العقود والإيقاعات والرضاع والأخلاق والمواعظ والتاريخ: مواليد الأئمّة (عليهم السلام) ووفياتهم ومناقبهم().
غير أن قارئ شعره يخلص إلى أن المديح الدِّيني يمثل المحور الأساسي في شعره، وقد بذل جهده ليتميز في هذا المجال، فجوَّد كما قلنا، ونظم قصائد محبوكة الطَّرفين والأربعة أطراف، فقال في قصيدة:
فهاكها محبوكة الأطراف
فنٌّ غريب ما قفَّاه قافي()
والقصائد محبوكة الطَّرفين يبلغ عددها تسعاً وعشرين قصيدة، تتألف كل منها من تسعة وعشرين بيتاً، وهي موجودة في أول ديوانه، واختيار الرقم متعلق بأن ينتهي كل بيت من أبياتها بالحرف نفسه الذي يبدأ أنه، فتُحبك من الطرفين أول الصَّدر وآخر العجز، ويخصِّص الشاعر لكل حرف قصيدة، فيبلغ عدد القصائد عدد حروف الهجاء.
الدكتور عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص روائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت