28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

بثينة شعبان.. رسالة إلى البابا فرنسيس / جريدة الأيام الإلكترونية

بثينة شعبان.. رسالة إلى البابا فرنسيس / جريدة الأيام الإلكترونية كتبت بثينة شعبان مقالة في موقع "الميادين" باللغة الإنكليزية بعنوان "رسالة إلى البابا فرنسيس" تناولت فيها اعتذاره من السكان الأصليين في كندا، وطلبه منهم المغفرة عن الشرور التي ارتكبها العديد من المستوطنين البيض المسيحيين ضدهم، وطالبته بزيارة فلسطين المحتلة، مهد السيد المسيح وتسليط الضوء على سياسات الفصل العنصري وممارسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية في فلسطين. والآتي نص المقالة-الرسالة منقولة إلى العربية بتصرف:
أيها الأب الأقدس ...
قداستكم،
قرأت باحترام كبير ومشاعر عميقة خطاب اعتذارك إلى السكان الأصليين في كندا والمغفرة التي توسلتها عن الشرور التي ارتكبها العديد من المسيحيين ضدهم. لقد لاحظت أنه كان هناك ممثلون عن الشعوب الأصلية التي أُزيلت ثقافاتها ومعتقداتها وتاريخها من على وجه المعمورة على يد المستعمرين البيض.
أنا نفسي، قد زرت كندا والولايات المتحدة وأستراليا واستمعت إلى قصص مرعبة عن النجاة من هذه المدارس، حيث مُنعوا من التحدث بلغتهم الأم أو ممارسة طرق حياتهم الثقافية المعتادة بحجة تمدينهم، بعدما اعتبرهم المستوطنون الغربيون غير متحضرين البتة.
لقد استمعت إلى قصص من كبار السن (من السكان الأصليين) واكتشفت أنهم يتمتعون بقيم روحية وأخلاقية وإنسانية عظيمة، كانت ممقوتة كلياً من قبل الرجال البيض الذين لم يفهموا معاني هذه الممارسات الثقافية وحتى أنهم لم يحاولوا أن يفهموها لأنهم قدموا بتصوّر أن هؤلاء السكان هم أناس بدائيون وأنهم أتوا لتعريفهم بالحضارة. في أستراليا، وجدت نفسي أتحدث إلى عائلة من السكان الأصليين باللغة العربية لأنهم يشبهوننا كثيراً، نحن العرب، وقيمهم الروحية والعائلية والفنية والاجتماعية تعكس قيمنا من نواحٍ عديدة. لقد زرت منازلهم ووقعت في حب إبداعهم الفني الرائع، والذي يسمّيه المسؤولون الغربيون الآن "الفن الأسترالي" أو "الفن الكندي"، بينما هي الفنون الرائعة للسكان الأصليين الذين أجبروا على التخلي عن لغتهم وعاداتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم
في اجتماع لي مع أستاذة جامعية من السكان الأصليين في جامعة مينيسوتا في تسعينيات القرن العشرين، أخبرتني أنهم أطلقوا عليهم اسم "الهنود الحمر" في وقت لم يكونوا فيه حمراً ولا هنوداً، وأن المستوطنين الجدد في أرضهم لم يفهموا ثقافتهم ولذلك سخروا من كل ما فعلوه وفسّروه بطريقة صُممت لإثبات تفوقهم ودونية السكان الأصليين أمامهم.
وأحد الأمثلة التي ذكرتها لي هو: قالت إن الأميركيين الأصليين كانوا يعتمدون في طعامهم على الجاموس، لكنهم لا يقتلون جاموساً ما لم ينقصهم الطعام فعلاً، وكانوا قبل ذبح الجاموس، يرقصون اعتذاراً له عن الاضطرار لقتله من أجل البقاء على قيد الحياة مع الوعد باستخدامه حتى آخر قطعة وعدم إضاعة أي قطعة منه. ومذاك، كثيراً ما تساءلت عن مدى هول الخسارة البشرية لأننا بالكاد نعرف أي شيء صحيح عن ثقافات وأخلاق ومعتقدات الشعوب الأصلية في جميع أنحاء الأراضي التي غزاها المستوطنون البيض في أميركا الجنوبية وأميركا الشمالية وكندا وأستراليا.
قداسة البابا فرانسيس، يثير اعتذاركم إلى السكان الأصليين في كندا سؤالاً حول عدد من بقي منهم وما هو الأمر الحسن الذي يمكن أن يتم فعله لتصحيح التاريخ. إن ثمة طريقة واحدة يمكن من خلالها للبابا فرانسيس وكبار الشخصيات الأخرى أن يخدموا عبرها التاريخ والإنسانية، وهي الوقوف ضد الممارسات المشابهة لتلك التي تعرض لها السكان الأصليون منذ قرون.
ثمة مكان واحد في عالم اليوم تتكرر فيه ممارسات المستوطنين البيض نفسها هو فلسطين. لقد بدأ وصول المستوطنين إلى فلسطين منذ أكثر من قرن مدّعين أنها أرض بلا شعب، والحقيقة أنها مهد المسيح، ومهد المسيحية، والمكان الذي عرّج منه النبي محمد إلى الجنة.
الشعب الفلسطيني ينحدر من حضارات قديمة أغنت المعرفة الإنسانية في مختلف المجالات. إنهم مشهورون بمهاراتهم الزراعية وإسهاماتهم الفنية المذهلة، فضلاً عن فطنتهم وأدبهم وتناغمهم في الحياة البشرية. يجد المستوطنون الصهاينة صعوبة في فهم سبب قيام المرأة الفلسطينية بمحاصرة شجرة الزيتون بجسدها من أجل منع الجرافة الإسرائيلية من اقتلاعها لأنه في ثقافتنا العربية نقوم بزراعة الأشجار ولكن لا نقتلع شجرة، على غرار أن لديك أطفالاً، لكنك لا تقتل طفلاً بتاتاً.
إن الصهاينة لا يهدمون البيوت العربية القديمة الجميلة في القدس المحتلة فحسب، بل وصلوا إلى مستوى غير مسبوق من الإجرام يجبرون فيه العائلات الفلسطينية على هدم منازلهم بأيديهم. تختلف المنازل العربية عن أي منزل في أي مكان آخر حيث يستغرق الأمر أجيالاً لبناء منزل تساهم فيه الأسرة الممتدة بأكملها وتعيش فيه بعد ذلك، إذ تم تصميمه لاحتضان الأطفال وآبائهم وأجدادهم، وبهذه الخاصية، فالمنزل هو كتاب ذاكرة العائلة بأكملها، وذاكرة أبنائهم وشبابهم وأوقاتهم القديمة.
إن الثقافة العربية هي واحدة من أقدم الثقافات الأصلية في العالم، وكل ما قام به المستوطنون الإسرائيليون على مدار المائة عام الماضية هو إزالة كل أثر ودليل للثقافة العربية في فلسطين، من اللغة إلى العادات الاجتماعية والتقاليد الزراعية والقيم الروحية والأخلاقية.
بالإضافة إلى ذلك، قلّص الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عدد المواطنين المسيحيين والمسلمين من خلال إجراءات الفصل العنصري الممارسة ضدهم وتحويل عدد كبير منهم إلى لاجئين. في عام 1914، كان اليهود يمثلون 8 في المائة فقط من إجمالي سكان فلسطين، بينما في عام 1922 أصبحت النسبة 11.1 وارتفعت إلى 31.5 في المائة عام 1948. وهذا يكشف عن زيادة عدد اليهود، في حين أن عدد السكان العرب (الفلسطينيين) من المسلمين والمسيحيين، قد شهد تراجعاً في الفترة نفسها. وبحسب دراسة إحصائية أجراها مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي عام 2003، يبلغ إجمالي عدد سكان "إسرائيل" حوالى 6.7 مليون نسمة، 5.1 مليون منهم يهود، ومليون مسلم، و142 ألف مسيحي.
أما بشأن بتاريخ المدارس الكاثوليكية، فقد قال البابا فرانسيس: "يؤلمني أن أرى أن الكاثوليك ساهموا في سياسات الاستيعاب ومنح حق التصويت التي غرست شعوراً بالدونية سلب المجتمعات والأفراد هويتهم الثقافية والروحية وقطع جذورهم وعزّز المواقف التمييزية المسبقة المؤذية..".
قداستكم،
الشيء نفسه يحدث اليوم وكل يوم لشعب فلسطين. يتم إطلاق النار على أطفالهم كل يوم من مسافات قريبة ويتم اعتقال رجالهم ونسائهم وسجنهم وقتلهم من دون ذكر أو ندم من أي شخص في العالم.
قداسة البابا، بعد اعتذاركم الكبير إلى السكان الأصليين في كندا، وقبل أن تتقاعد، هل يمكنكم زيارة الأرض التي وُلد فيها المسيح ومحاولة تسليط الضوء في جميع أنحاء العالم ضد سياسات الفصل العنصري وممارسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية في فلسطين، التي يمارسها المستوطنون الصهاينة، والحكومة التي تدعمهم وتستخدمهم كأداة في حرب الإبادة هذه؟ ربما يكون إنقاذ الشعب الفلسطيني، السكان الأصليين في فلسطين، قبل فوات الأوان، أفضل وأكثر تقدير ذي مغزى قد تقدمه قداستكم إلى السكان الأصليين في كندا وأستراليا والأميركيتين، وربما إلى العالم كلّه.
المصدر : "الميادين"