لماذا خرجت كل من مصر وتركيا والجزائر وفلسطين كخاسرٍ من إتفاق “طريق بايدن" ؟ / جريدة الأيام الإلكترونية
النّجاح الأبرز لقمّة العشرين التي انعقدت في العاصمة الهنديّة يوميّ السبت والأحد الماضيين، بقِيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتمثّل في “الممر الإقتصادي” الذي من المُفترض أن يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، ويُشكّل نواةً لتحالفٍ اقتصاديّ جديد لخنق منظومة دول “بريكس” في مهدها، وتكريس التطبيع بين دولة الاحتِلال الإسرائيلي ودُول الخليج، أو مُعظمها، وتهميش قناة السويس كممرٍّ عالميٍّ للتجارة بين الشّرق والغرب، وإضعاف، وربّما وأد طريق الحرير الصيني (الحزام والطريق).
هذه النتائج الإقتصادية الضّخمة، والمُتّفق عليها مُسبقاً بين الرئيس الأمريكي وحُلفائه القُدامى والجُدد، جاءت لتصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، ومُحاولة لإنقاذ، أو وقف تدهور حُظوظ زعامتها للعالم، ولجم الصّعود الصيني على الصّعد كافّة، والتّحشيد لجبهةٍ جديدةٍ مُوسّعةٍ ضدّ روسيا في حرب أوكرانيا.
غِياب الرئيسين الصيني تشي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين عن هذه القمّة كان مدروسًا بعنايةٍ فائقة، لأن الحُضور يعني إعادة تعزيز زعامة القُطب الواحِد للعالم التي تآكلت في الأعوام القليلة الماضية، لمصلحة الثّنائي الصيني الروسي.
استِثناء العِراق وسورية ومِصر وتركيا وإيران من مُرور هذا الكوريدور الاقتِصادي من أراضيها لم يكن عشوائيّاً، واستِبعادها كان مُتعمّداً، لأن مُعظمها أقرب إلى المحور الصيني الروسي، وتملك مُعظمها تاريخاً عميقاً للعداء للغرب، بحُكم العقيدة الإسلاميّة، والإرث الامبراطوري التاريخي المُمتَد لعدّة قُرون. فهل من المنطقي استثناء جميع هذه الدّول من هذا “الكوريدور” الإقتصادي، وحشْر دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي لا تتجاوز مِساحتها حجم مُحافظة في مِصر أو تركيا أو العِراق، في هذا المشروع؟
الرئيس بايدن كان مُحِقاً عندما قال إن الإتفاق على إنشاء هذا “الكوريدور” سوف يُغيّر قواعد اللّعبة، لأنّه سيُؤدّي إلى إنشاء خُطوط سكك حديد، وربط الموانئ البحريّة لتعزيز التّبادل التجاري، وتسهيل مُرور البضائع، ودعم جُهود تطوير الطّاقة النظيفة، ولكنّه لم يقل، أيّ بايدن، في الوقتِ نفسه، أنه سيُتوّج دولة الاحتِلال زعيمةً لمِنطقة الشرق الأوسط، ويُخرجها من جميع أزماتها الرّاهنة والقادمة.
بنيامين نِتنياهو لم يُخفِ فرحته بهذا الإنجاز العظيم الذي حقّقه له بايدن عندما قال في تغريدةٍ له على موقع “إكس”: “يسرّني أن أزفّ لمُواطني دولة إسرائيل بُشرى تحوّل دولتهم إلى مفرقٍ رئيسيٍّ في هذا الممرّ الاقتصاديّ، فالسّكك الحديديّة والموانئ البحريّة في إسرائيل ستفتح باباً جديداً من الهند عبر الشّرق الأوسط إلى أوروبا وبالإتّجاه المُعاكس من أوروبا إلى الهند وبِما يُعيد تشكيل ملامح مِنطقة الشرق الأوسط، إنّه مشروع التعاون الأكبر في تاريخ إسرائيل”.
هذا المشروع الأمريكي الذي يتبلور في قمّة العشرين الأخيرة سيُغيّر فِعلاً قواعد اللّعبة، وسيُعيد رسم خريطة جديدة للعالم. فحجم التجارة بين الهند وأوروبا الذي يتأسّس “ظاهريًّا” من أجل خدمته هذا الممر لا يزيد عن 88 مِليار دولار، فهل يستحقّ هذا المبلغ إنفاق مِئات، إن لم يكن آلاف المِليارات من الدّولارات من أجل بنائه؟
الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي كان حُضوره “مُهمّشاً” في قمّة العشرين الأخيرة، قال بعد عودته “إن تركيا هي الخط الأكثر مُلائمة لحركة المُرور من الشرق إلى الغرب، في مشروع الممر الاقتِصادي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط”.
مِصر ومُعظم دول الشرق الأوسط والإتحاد المغاربي، والجزائر خصّيصاً، ناهِيك عن الشعب الفِلسطيني، ستكون المُتضرّر الأكبر من هذه المنظومة الإقتصاديّة السياسيّة الجديدة التي تتزعّمها الولايات المتحدة، وبالتّنسيق مع دولة الإحتِلال.
قناة السويس التي تدرّ أكثر من عشرة مِليارات دولار سنويّاً على الخزينة المِصريّة ستكون أبرز الضّحايا، وستَفقِد 22 بالمِئة من حجم التجارة عبرها مُنذ اليوم الأوّل لتدشين هذا المشروع الذي سيمرّ من فوقها باتّجاه ميناء حيفا.
لا نعتقد أن الصين وروسيا وكُل الدّول المُستهدفة من هذا المشروع الأمريكي الجديد ستقف مكتوفة الأيدي في مُواجهته، وهذا موضوعٌ آخَر.. والأيّام بيننا.
المصدر : رأي اليوم
- علامات:
- إقتصاد