28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين - الومض في الأدب العربي الحديث ، الومضتان : القصصيَّة والشعريَّة../ جريدة الأيام

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين - الومض في الأدب العربي الحديث ، الومضتان : القصصيَّة والشعريَّة../ جريدة الأيام عبدالمجيد زراقط:
تكثر ، في هذه الأيَّام ، كتابة " الومضة ، قصصية وشعرية... ، على صفحات " الفيس " ، ويقوم عدد من كتَّابها بإنشاء مجموعات لها على هذه الوسيلة من التواصل ، تنشر نصوصها ، وتُجري مسابقات بغية تجويد ما يُكتب من هذا النوع الأدبي الذي نشأ ويتطوَّر ، في مسار تطوُّر وسائل الاتصال الجديدة .
كما يعمد بعض كتاب " الومضة " الى جَمع مايكتبونه في كتب ورقية ونشره ، ووضعه قيد التداول ، مثل كتاب " كنوز القصة الومضة " لمجدي شلبي ، و" غربة " لمحمد لقمان .
الملاحظ أنَّ كتابة هذا النوع الأدبي غزيرة جداً ، ويختلط فيها الجيد بالرديء، كما هي حال الكتابات الجديدة في مختلف أنواع الكتابة ؛ وذلك في غياب النقد الموضوعي الذي يميِّز النصوص ، ويتبيَّن خصائصها . في سبيل الاسهام في كتابة هذا النقد ، المواكب لهذه الظاهرة ، كانت هذه المقالة التي تهدف الى تحديد مفهوم " الومضة " المستقى من قراءة الكثير من نماذجها الجيِّدة ، ومن هذه النماذج :
:" سلوك : أرادته قيساً؛ أرادها ليلة "."
وفاء : رحل عنها ؛ لم يرحل منها " .
" ألفة : حرَّروا الضفدع ؛ قفز للمستنقع " ،
وهذه الومضات لمحمد لقمان .
"جميلة : لسعته نظراتها ؛ اشتهى العسل " .
" طُهر : زنت نظراته ؛طهَّرها بدموعه " .
" حال : للغبار مطر ؛ يرمي حجارة في برك الرماد " ، وهذه الومضات لعبد المجيد زراقط .
بعد قراءة هذه النماذج ، نحاول الاجابة عن السؤال الاَتي : ماهي الومضة ؟
" الومضة " ، لغويَّا ، هي الدَّالُّ على مفهوم هذا النوع الأدبي وخصائصه ، فهي " فَعْلَة " من ومض ، وومض فعل يعني لمع . و" أومض " يعني أشار اشارة خفيَّة ...
يفيد هذا المعنى اللغوي أنَّ "الومضة " هي لمعة ، أو اشارة ، او ايماءة سريعة تلمع / تبرق لمعان البرق الخاطف ، لتفيد اضاءة وكشفاً، يتمثلان في دلالة محتملة تحتاج الى تأويل ، كأنها الرمز أو الغمز .
يمكن ، في ضوء قراءة هذه النماذج ، وبعد معرفة المعنى اللغوي ، أن نصوغ مفهوم الومضة كما يأتي :
_الومضة هي وحدة لغوية ، مجوَّدة ، لغتها مكثَّفة ، مفاجئة ، مدهشة ، لا تخلو من مفارقة .
وهي أنواع : ومضة قصصية ، وومضة شعرية ، وقصصية شعرية، وحوارية ... ، لايتجاوز عدد كلماتها العشر كلمات، وقد تقلُّ ، فتصل الى كلمتين ، مثل :
" كُرة : صدُّوه ؛ صادهم " ، لاعتماد صبح ،
و" تمرُّد : تسلطن؛ تشيطن " ، لخيري الأزغل .
تتألف الومضة من عنوان هو كلمة واحدة ، اسم نكرة في الغالب، ليس من كلمات المتن ، ولا من مشتقاتها ، يشير الى الدلالة اشارة غير مباشرة ، ويتألف المتن من شطرين تفصل بينهما قاطعة (؛) ، يؤديان معنى كاملا ، تربط بينهما وحدة بنائية متماسكة ، يُخلُّ أي حذف بالبناء ، وتؤدِّي أي زيادة الى الترهُّل .
تشير " الومضة " ، أو تومئ ، اشارة ، أو ايماءة ، سريعة تلمع / تبرق لمعان البرق الخاطف ، لتفيد اضاءة وكشفاً ، يحتاجان الى تأويل، مايعني أن دلالتها احتمالية تتيح للمتلقي أن يؤدّي دوراً في انتاج فاعليتها الجمالية الدلالية .
فلو قرأنا " الومضة " : " سلوك : أرادته قيساً ؛ أرادها ليلة " ، للاحظنا أنَّ عدد كلماتها هو خمس كلمات، وأنَّ العنوان اسم نكرة يشير الى نوع من السلوك ، وهو سلوك رجل ما مع المرأة ، ثم نلاحظ ثنائية قيس / ليلة التي يتمثل فيها تناصٌّ مع قصة الحبيبين العذريين قيس وليلى المعروفة ، لكن المفارقة تتمثل في " ليلة " ، التي تشير الى دلالة هي نقيض دلالة قصة الحب العذرية المشهورة ، والى ثنائية تضادّ تتمثل في تناقض ما تريده المرأة وما يريده الرجل ، فهي تريده حبيبا مثل قيس ، وهو يريدها لليلة واحدة ، ما يفارق ما تريده هي، وما ينبغي أن تكون عليه علاقة الحبيبين ، اضافة الى تشكيل مفارقة أخرى تتمثل في المقارنة بين ماكانه الحب في زمنٍ مضى ، وما صار اليه في هذا الزمن .
ويعمد بعض الكتاب الى " الصناعة اللغوية " ، فيكتب ، على سبيل المثال ، " ومضات " بكلمات معطَّلة حروفها من النقاط ، ويسميها " الومضة المعطَّلة " ،
مثل : " وكيل : راكم أمواله ؛ أوكل الى الهمِّ أحواله " ، لعبد المجيد زراقط ،
وهذا النوع من الكتابة يُراد منه بيان البراعة اللغوية ، وان تم الاكتفاء بهذه البراعة ، والاقتصار عليها ، يُخشى أن تغدو هذه الكتابة " لعباً " لغوياً فحسب ، فيحدث لها ماحدث لنوع أدبي تراثي شبيه به هو " التوقيعات " ، وهو ما تحدثنا عنه في مقالة سابقة .
* الدكتور عبد المجيد زراقط- أكاديمي- ناقد أدبي - قاص وروائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت