د. هادي حسن حمّودي.. اللغة لا تسوّي المرأة بالأخدود / جريدة الأيام الإلكترونية
أرسل لي عدد من الأصدقاء نصا انتشر في مواقع الشبكة العنكبوتية، يريدون بيان صوابه من خطله. وبعد تردّد وتأنٍّ أجمعت أمري على أن ألبي طلبهم. ولكم أن تلتمسوا لي العذر إذ أنقل النص الذي وصل لي كما هو، حيث جاء فيه:
(ما السر في اختصاص القرابة من جهة الأم بحرف الخاء. مثل خال وخالة. واختصاص القرابة من جهة الأب بحرف العين مثل عم وعمة. وحرف الجيم مشترك بينهما في الجد والجدة؟ الجيم في الجد والجدة هي جيم الجَذر لأنهما جذر مشترك للوالِدَين وكذا كل قرابة من ناحيتها جدّ وجدّة. والعين في العمّ والعمّة هي عين العِرق الذي منه ينزع الولد لأبيه. وكذا كل قرابة من ناحيته عمّ وعمّة. والخاء في الخال والخالة هي خاء الخَدّ لأن الأمّ هي الخدّ بمعنى الشق في الأرض الذي يوضع فيه الولد كالبذرة في الحرث ومنه الأخدود. وكذا كل قرابة من ناحيتها خال وخالة). جوابي:
لا صحّة لاختصاص الخاء بأقارب الأم بسبب أن الأم (هي الخد بمعنى الشق في الأرص يوضع فيه الولد)؟ تعبير أقل ما يقال فيه إنه غير موفق. إضافة إلى أنّ ما ورد في النص لا أساس له من الصحة. فقوله، تعالى: (ثُمَّ شَقَقْنَا الارْضَ شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا) شيء، وقوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الاخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ) شيء مختلف تماما. ولا توصف بهما بالمرأة إطلاقا. وإليكم هذه النقاط العجلى:
1- لا علاقة بين معنى الأم والمرأة والزوج (الزوجة) والأخت، من جهة، والخدّ والشق والأخدود، من جهة أخرى. ناهيك عن اختزالهنّ بتلك الأوصاف. فالخدّ الوجه، والخدّان: جانبا الوجه. والخَدّ والخُدَّة والأخدود: الحفرة المستطيلة في الأرض. فأين هذا من ذاك؟ وكذا قل عن الشق والخَرْق.
2- جاء في النص أن حرف العين في العمّ والعمّة يقصر العِرق على الأعمام، وهذا خطأ علمي ولغوي. أما العلم فيقرر أن العرق من الطرفين والوراثة منهما. وأما اللغة فقد أكّدت على تأثير الطرفين في العرق. وإذا كان بعض أهل الحديث قد شكك في أحاديث ذات صلة مثل (تخيروا لنطفكم فإنّ العِرْق دساس) و(إياكم وخضراء الدمن) أو المقولة المعروفة: (كادت المرأة تلد أخاها) فإن هذا لا يقلل من القيمة اللغوية لهذه النصوص، لأنها صدرت في عصور الاحتجاج. وروى ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث 2/117): (استجيدوا الخالَ فإنّ العرق دسّاس) أي فتشوا عن الخال الجيّد. ومنه قالوا: فلانٌ مُعِمٌّ مُخْوِلٌ: إذا كان كريم الأعمام والأخوال. ولبعض الشعراء القدماء:
لا تخطبنّ سوى كريمةِ معشرٍ
فالعرقُ دسّاسٌ من الطرفينِ
ولقد سقط شاعر في سوء اختياره، فقال:
تزوجتُ لم أهنأ وأخطأتُ لم أُصِبْ
فيا ليتني قد متّ قبل التزوّجِ
فوالله لا أبكي على ساكن الثرى
ولكنّني أبكي على المتزوجِ؟
ولسنا هنا لتأكيد أثر العرق أو نفيه، بل لنتحدث عن مفهوم العرق في اللغة، وأن لا علاقة لِعَيْنِ كلمة (العمّ) بذلك.
3- وإذ انتفى عن المرأة وصف الخد الذي هو الشق، انتفت الدلالة المزعومة عن (الخاء) في الخال والخالة. فالخال هو أ(خـ)ـو الأم تربّى معها وتربّت معه. عايشها، كما لم يعايشها الأعمام. فالخاء، هنا، هو ذاته (خاء) الأخ والأخت (بالنسبة للأم) ببناء صرفيّ جديدٍ لمعنىً جديد هو الخال والخالة (بالنسبة للأولاد).
4- قرر النصّ أنّ الجيم يعني الجذر سواء من قبل الأب أم من قبل الأم، فصار الجدان من قبل الأم جذرا، أي عرقا ونسبا. فناقض ما سبق أن ذكره من حصر العرق بالعمّ والعمّة.
5- وخاتمة الأمر أن النصّ في أعلاه مبنيّ على وَهْمٍ مؤدّاه أنّ حرف الخاء في الخال والخالة، هو خاء الخَدّ لأن الأمّ هي الخدّ الذي هو الأخدود الذي هو الشق في الأرض يوضع فيه الولد !!!
هذا وربما كان الكاتب مازحا.. الله أعلم
د.هادي حسن حمّودي. كاتب وباحث وأكاديمي عراقي
المصدر : مجمع اللغة العربية على الشبكة العنكبوتية
جريدة الأيام الإلكترونية. الصفحة الثقافية
- علامات:
- إقتصاد
