مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين | النَّقد الأدبي النِّسوي وإلغاء تضادّ ثنائيَّة الرَّجل- المرأة/ جريدة الأيام الإلكترونية
أ. د.عبد المجيد زراقط *
ترى نظريات "ما بعد البنيويَّة"، ومنها "التَّفكيكيَّة" أنَّ "مركزيَّة العقل "logocentrisme"، في الميتافيزيقيا الغربيَّة، تتأسَّس على مجموعة من الثُّنائيَّات، منها: المعقول/ المحسوس، الرُّوح/المادَّة، الحضور/الغياب، الجوهر/العرض، الرَّجل/المرأة... وتصنِّف، من منظور هذه المركزيَّة، الطِّرف الأوَّل من كلِّ ثنائيَّة في مقام الإيجابي والأعلى...، والطَّرف الثاني في مقام السَّلبي والأدنى... ولمَّا كان هذا التصنيف يضع المرأة في المقام السَّلبي والأدنى، تبنَت الحركة النسويَّة رؤية "ما بعد البنيوية" التي تعمل على تقويض هذه المركزيَّة، ودعت إلى إلغاء التَّضادّ الذي يُتَّخذ أساساً للتَّصنيف التَّراتبي. دعت الحركة النِّسويَّة، من هذا المنظور، إلى كتابة أدب ونقد نسويَّين يتخذان تجربة المرأة البيولوجية الحسيَّة والثقافيَّة المجتمعية موضوعاً لهما. وقد مارست ناقدات الحركة النَّسويَّة النَّقد الأدبي، وبدا واضحاً أنَّهن ينجذبن إلى نظريات "ما بعد البنيويَّة"، لأنَّها ترفض الجزم بسلطة أو حقيقة مذكَّرة. ويبدو أنَّ هذا النَّقد لم يبلور منهجاً يعتمده في نقده، فهو يعتمد مناهج عديدة، منها: الاجتماعي والسِّيميائي والنَّفسي والماركسي والانتفائي والعالم ثالثي والوجودي والتفكيكي والأسطوري، ما يجعل حركة هذا النَّقد فضفاضة، كما يقول "فنسنت ب. ليتش"().
ترى شيرين أبو النَّجا، في ضوء هذا الواقع، أن النَّقد الأدبي النِّسوي منهج نقدي انتقائي، يستفيد من جميع النَّظريات السَّابقة والمعاصرة، بغية تبيُّن "النِّسوي" في النَّص، وفي الأماكن المعتمة التي لا تسلِّط عليها البنية "الأبوية" الأضواء().
على الرغم من نزعة التعدُّد هذه إلاَّ أن هناك مفاهيم معيَّنة تجمع هذا الشتُّات، أهمها: عامل الاختلاف الجنسي في إنتاج الأعمال الأدبية وشكلها ومحتواها وتحليلها وتقديمها. غير أنَّ ناشطات في الحركة النِّسويَّة، مثل "جوليا كريستيفا" ترفض مقولة الأدب النِّسوي" لأنها تمثل نظرة قد تكون لا واعية ضد المرأة، ويرين أنَّ النَّص الأدبي يُقرأ ويُدرس لـ "ذاته"، من دون النَّظر إلى كاتبه أو كاتبته، فدراسته من منظور الثنائية الجنسية نظرة "فرويدية" متعذِّرة التَّطبيق، إضافة إلى أنها تعيد للمؤلِّف دوره في دراسة النَّص الأدبي، وهذا ما لا تقرُّه "نظريَّات ما بعد البنيويَّة".
قالت "كريستيفا"، في الإجابة عن السُّؤال: هل يمكن لنا أن نميِّز لغة، أو كتابة، خاصَّة بالنسِّاء؟: "ليس لديّ يقين في شأن هذه النُّقطة، لأنَّ ما يُشدَّد عليه، بوصفه كتابة نساء، يميِّز نفسه عن كتابة الرِّجال، عبر اختيار الموضوعات بصورة أساسيَّة. فعلى سبيل المثال، يمكن لنا أن نتحدَّث عن العناية بالأطفال، أو الأمومة، بطريقة لا يستطيع الرِّجال الحديث عنها، لأنه ليس لدى الطَّرفين التجارب التاريخيَّة أو الاجتماعيَّة أو العائليَّة نفسها"(). وفي أيِّ حال، وبوصفها محلِّلة نفسيَّة تتحدَّث عن عمليَّة الإبداع، فترى أنَّ "على الكاتب أن يمرَّ، من وقت لآخر، بوضع فقدان الرَّوابط، فقدان المعنى – لكي يكتب"
* عبد المجيد زراقط. آكاديمي. ناقد أدبي. قاص وروائي
جريدة الأيام الإلكترونية. الصفحة الثقافية
- علامات:
- إقتصاد
