السيد علي فضل الله في ذكرى والده : إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى استحضار كلماته ومواقفه وخياراته
وألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة في الاحتفال رحب في بدايتها بالحضور، وشكرهم لمشاركتهم "في هذا اليوم الذي لم نرده يوماً لتجديد الحزن على من يستحق أن نحزن على فراقه، هو بالنسبة إلينا جميعاً يوم تجديد الوفاء للسيد، الذي وفّى لنا ولم يبخل علينا طوال المرحلة التي عشنا فيها معه لا بوقته ولا بجهده ولا بحضوره، وبقي يعطي من عقله وقلبه وتوجيهاته حتى النفس الأخير."
وقال: لقد أراد السيد للناس عندما يلتزمون الدين أن يأخذوه من ينابيعه الصافية وروحانيته وقيمه ومبادئه الإنسانية والأخلاقية، وأن لا يصبح عندهم شكلاً من دون مضمون وجسداً من دون روح، وألا تتحول عندهم الأديان إلى حواجز اسمنتية صلبة وجدران تحول دون تلاقيهم، أو إلى متاريس يتقاتلون باسمها. وهذا ما شهدنا آثاره الواضحة والجلية على صعيد فهمه الحضاري للدين، وعلى صعيد الفكر والفقه والتفسير والتربية والثقافة الإنسانيّة وخدمة الناس ومساعدتهم، وكان له دوره في معالجة القضايا التي تتعلق بالطفل والمرأة والشباب وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وحضوره المؤثر في ميادين الجهاد وفي مواجهة الاحتلال والاستكبار وقوى الظلم والجهل والتخلف والغلو".
أضاف: "هو لم يفكر، كما فكر الكثيرون، في أن يبني مجدا ًذاتياً لا يشاركه فيه أحد، بل عمل على خطين: الخط الأول هو المشاركة، فلم يعمل السيد في شكل فردي، بل حرص على أن يشارك من يملكون الكفاءة والخبرة والقدرة، وكانت شراكته لهم حقيقية وليست شكلية أن لا يكون لأي شخص فيها مهما علا موقعه أن يتفرد بالقرار وحده وما على الآخرين إلا التنفيذ".
تابع: "أما الخط الثاني الّذي عمل عليه فكان استنهاض الطاقات والقدرات المودعة في داخل كل إنسان وداخل المجتمع والأمة حتى استحق أن يقال عنه: إنه محرك السكون عمل على استنهاض الفكر، عندما كان يقول لا تجمدوا عقولكم لحساب أحد مهما علا شأنه ولا تؤجروها، هذا الامر لم يرضه الله لنفسه عندما دعا عباده إلى أن يستنفروا عقولهم وأن يؤمنوا به وبرسالاته بناء على وعي ودراسة لا بناء على تقليد أعمى. كان دائما يردد بأن الرسول عقل من الخارج والعقل هو رسول من الداخل، وحتى في علاقته مع الناس الذين يلتزمون نهجه وتربوا على تعاليمه كان يحثهم على التفكير، فيقول لهم فكروا معي وحتى انقدوني، ولا تقولوا السيد قال وانتهى الأمر. أريد أن يفكر كل واحد منكم ولو في حدود القدرات التي يمتلكها. وهذا ما عمل له على صعيد الفقه، فقد كان يأنس ويرتاح لتلامذته الذين كانوا يناقشونه في درسه الفقهي ويطرحون علامات الاستفهام حول آرائه، فقد كان يراهم أفضل التلامذة، وكان ذلك يدفعه إلى أن يغير رأيه أو يعدله ان اقتنع بوجهة نظرهم ورأى صوابيتها".
وقال: "هو لم يرض بالجمود الفقهي والفكري ولم يستسلم للسائد والمشهور وحتى للإجماع من الآراء، وكان يقول للذين يتهمونه من العلماء بأنه يخالف الكبار أو المشهور إننا نحترمهم ونجلهم، ولكن لهم عقولهم ولنا عقولنا التي علينا أن نستخدمها وأن لا نجمدها، وهذا ما كان يدعو إليه على صعيد الإنسان. كان يريده ان لا يتجمد على ما وصل إليه، بل أن يطور الطاقات التي يمتلكها لان الجمود هو تراجع وانحسار بل هو موت وفناء".
تابع: كان لا يتوقف عن الدعوة إلى نبذ الخلافات بين الدول العربية والإسلامية، وكان يؤلمه أن تتحول إلى بؤر توتر قابلة للاشتعال في هذه الساحة أو تلك، أو على صعيد العلاقات الثنائية، من دون أن يُعمل على الإسراع في احتوائها عبر الحوار الصريح والشفاف الذي يخفف من التوتر ويساهم في تفهم الهواجس المتبادلة، والتي يدخل الكثير منها في دائرة الأوهام التي تثيرها القوى الأجنبية الساعية إلى إبقاء التنازع بينها والذي من خلاله تكرس نفوذها في المنطقة."
أضاف: "إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة التي هي من أصعب المراحل التي تمر على هذا الوطن إلى استحضار كلمات السيد ومواقفه وخياراته للخروج من حال الانهيار التي وصلنا إليها على كل الصعد، ولتعزيز التلاقي بين اللبنانيين الذي لا نريده، كما يحدث غالباً، خاضعا للمجاملات والشكليات وحتى التكاذب، بل التلاقي الصادق الذي يساهم في إزالة الهواجس التي يشعر بها اللبنانيون بعضهم اتجاه بعض، والتي تزداد يوماً بعد يوم، ولمعالجة الأزمات المستعصية التي أنتجتها سياسات الهدر والفساد وسوء الإدارة والذي أدى إلى أن يشعر اللبنانيون بأنهم باتوا غير قادرين على العيش معاً، أو أن يدفعهم للهجرة بأي وسيلة من الوسائل بحثا عن لقمة عيش وحياة كريمة في أوطان أخرى"
المصدر : الوكالة الوطنية
- علامات:
- مجتمع
