رفع الدولار الجمركي، ماذا يعني؟ وما هي أبرز تداعياته؟/ خاص جريدة الأيام الإلكترونية
وللعلم فإن الرسوم الجمركية في لبنان تؤمن أكثر من نصف واردات الخزينة، وفي حال استمرار استيفائها على أساس ال١٥٠٠ ل.ل فهذا سيؤدي إلى تفاقم العجز المالي الحكومي لاسيما قدرة الحكومة على دفع منح إجتماعية للموظفين، ولهذا تتسلح الحكومة بآخر أسلحتها لهذه الغاية ألا وهي رفع الدولار الجمركي.
*فماذا يعني رفع الدولار الجمركي؟*؟
يمكن تعريف الدولار الجمركي على أنه: سعر الصرف الذي تعتمده الجمارك في احتساب القيمة الجمركية بهدف تطبيق الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة إلى لبنان.
ويمكن حصر هذا التعريف عمليا في ثلاث نقاط:
*اولا: القيمة الجمركية*
*ثانيا: سعر الصرف الذي تعتمده الجمارك*
*ثالثا: الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع المستوردة*
اولا: فمن ناحية القيمة الجمركية، تشمل هذه القيمة بالإضافة إلى ثمن البضائع المستوردة، تكاليف شحنها وتأمينها واجرة الحاويات وغيرها من القيم والأعمال التي تجري على البضاعة قبل وصولها إلى لبنان.
ماذا يعني ذلك؟
يعني ذلك أن القيمة التي على أساسها تُفرض الرسوم الجمركية لا تشمل أبداً فقط سعر البضاعة المستوردة أو ثمنها، مما يعني أن رفع الدولار الجمركي سيطال كلفة شحن البضائع وتأمينها وأجرة حاوياتها والتي جميعها ستسعرها الجمارك على أساس سعر الصرف الجديد ما سيؤدي إلى رفع أسعار البضائع بشكل كبير.
وفي مثال بسيط : لو افترضنا أن تاجراً استورد هاتفا خلوياً ثمنه ٣٠٠$ ودفع كلفة شحنه ٢٠$ وتأمينه ١٠$ فإن القيمة الجمركية لهذا الهاتف والتي على اساسها تستوفى الرسوم الجمركية هي ٣٠٠$+٢٠$+٥$ أي ٣٢٥$
ومن الناحية الثانية فإن سعر الصرف المعتمد حاليا لدى الجمارك على جميع القيم سواء ثمن البضاعة أو شحنها او تأمينها او غيرها من القيم هو ١٥٠٠ ل.ل. وفي حال رفع الدولار الجمركي سيرتفع سعر صرف جميع هذه المبالغ. اي اذا اعتمدنا ذات المثال السابق وافترضنا أن الرسم الجمركي على الهاتف الخليوي هو ٥٪ من قيمته الجمركية وسعر صرف الدولار الجمركي الجديد هو ٢٠ الف ليرة لبنانية فإن الرسوم الجمركية الجديدة على هذا الهاتف ستصبح ٣٢٥$×٢٠الف = ٦،٥٠٠،٠٠٠ ل.ل سعر الهاتف الجديد لدى الجمرك × ٥٪ = ٣٢٥ الف ليرة مقارنة ب ٢٤،٣٧٥ ليرة على اساس سعر الصرف الرسمي.
هذا عدا عن زيادة الtva الذي تستوفيه الجمارك والذي سيُفرض أيضا على أساس وعاء القيمة عينه الذي يفرض على أساسه الرسم الجمركي.
ثالثا وفيما خص نوع البضائع المستوردة فإن السلع والبصائع المستوردة إلى لبنان تخضع لرسم جمركي نسبته ٥٪ بالحد الأدنى بإستثناء بعض البضائع التي تخضع لرسوم نوعية أي على أساس الوزن او الكمية أو العدد.
وتجدر الإشارة هنا الى أن الرسوم الجمركية النسبية تختلف وفقاً لأمرين أساسيين، الأمر الأول هو منشأ البضائع والآخر هو نوع البضائع. وفي لبنان فإن معظم البضائع ذات المنشأ الأوروبي والعربي تعفى من الرسوم الجمركية وفقا لاتفاقيات معقودة بين لبنان وهذه الدول. مما يعني أن معظم السلع المستوردة من هذه الدول لن تتأثر أسعارها برفع الدولار الجمركي. أما البضائع المستوردة من الدول أخرى لاسيما تركيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية والتي تحتل المراتب الاولى من بين الدول المصدرة إلى لبنان فإن أسعارها سترتفع بشكل كبير بعد رفع الدولار الجمركي.
بعيداً عن المنشأ وفيما خص نوع البضائع فإن غالبية البضائع تخضع لرسوم جمركية نسبتها ٥٪ بالحد الأدنى ما يعني أن الزيادة التي ستطال أسعارها ستكون ضمن حدود المعقول، أما أنواع البضائع الأخرى التي تزيد رسومها الجمركية عن ال٥٪ لتتراوح بين ١٠٪ وربما ال٧٠٪ فسترتفع أسعارها بشكل كبير جدا.
ومن أبرز هذه البضائع: السيارات، المصنوعات الجلدية، الألواح الخشبية المعدة للابنية، منتجات الخزف والبورسلان لاسيما البلاط والقرميد والمغاسل وأحواض الحمامات والأصناف الصحية الأخرى، التحف وبعض الأدوات المنزلية، بعض الأدوات الكهربائية كالغسالات، الأثاث والمقاعد وأجهزة الإنارة، محضرات العناية بالفم والشعر والتجميل كالشامبو ومعجون الأسنان ومساحيق التجميل ومضادات العرق وغيرها من البضائع التي سيرتفع سعرها بشكل كبير بعد رفع الدولار الجمركي.
*ما هي أبرز تداعيات قرار رفع الدولار الجمركي؟*
بصرف النظر عن الفوائد والأرباح التي قد تجنيها الدولة من اتخاذ هذا القرار فإن تداعياته ستكون كبيرة يمكن تلخيصها بالآتي :
١- زيادة التضخم وانخفاض الاستهلاك نتيجة ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية.
٢- زيادة الاحتكار وجشع التجار، حيث من المتوقع أن يلجأ التجار إلى الاحتفاظ بمخزون البضاعة المكدس في مستودعاتهم والمدفوعة رسومه الجمركية على اساس ال١٥٠٠ ل. ل. ليعودوا ويبيعونها بأسعار باهظة على أساس الدولار الجمركي الجديد ما سيعني زيادة أرباحهم بشكل كبير للغاية على حساب المواطنين.
٣- زيادة التهرب الضريبي وأبرز وسائل هذا التهرب ستكون باللجوء إلى الاحتيال والغش التجاري بواسطة تقديم التصاريح الكاذبة بقيمة البضاعة أو نوعها أو منشأها للتهرب من دفع الرسوم الباهظة عليها وخشية أن تتآكل أرباحهم وتتراجع قدرتهم على المنافسة في السوق.
٤- زيادة التهريب سواء على المعابر الشرعية أو غير الشرعية.
في الخلاصة فإن قرار رفع الدولار الجمركي وإن كان سيقدم هدية بسيطة لموظفي القطاع العام فإن الهدية المجانية الأكبر ستكون للتجار الجشعين الذين سيضاعفون أرباحهم وسيُدخلون السوق في لهيب الأسعار بدون رحمة لأحد.
وإذا كان رفع الدولار الجمركي سيقدم للموظفين المساعدة بيد فإنه سيستردها منهم باليد الأخرى.
فهل سندخل في أزمة جديدة تضاف إلى دوامة الآزمات التي تتقاذف اللبنانيين؟!
خاص جريدة الأيام الإلكترونية
- علامات:
- مجتمع