عندما دخل حذائي العناية الفائقة بقلم الاستاذ عباس خليل ترحيني
عندما دخل حذائي العناية الفائقة بقلم الاستاذ عباس خليل ترحيني
ع
عندما دخل حذائي العناية الفائقة
بقلم الاستاذ عباس خليل ترحيني
**********************************
ليس الأمر متعلّقا بالحالة الاقتصادية كي أحتفظ بالأشياء أو أتخلى عنها ؛ فطالما كان الحذاء صالحا للاستعمال ، لا أتخلّى عنه ؛ حتى إذا ما أصابه عارضٌ ما لجأت إلى الكندرجيّ ليحصل على شهادة تُثبت أنه صالح للسير ومطابق للمواصفات . فيضع له نصّ نعل أو كعبيات أو يخيط فتقا من هنا وهناك ... إلى أن يفتح فمه من الأمام صارخا طالبا التقاعد قبل الدفن .
أشفقتُ على الحذاء وقصدتُ طبيبَه ، قبل أن تشتدّ عوارضه ، لاسيما وأن الشتاء على الأبواب ، وهذا ما يعرضه لشتى المفاجآت... فلأجرِ له صيانة مسبقة ، حتى لا أكون كمؤسسات الدولة التي لا تستبق الأخطار !
لم يرفع رأسه إليّ ، بل رأيت نظراته تمسح حذائي بطريقة سريعة ؛ وكأنه يقيّم زبائنه من أحذيتهم؛ خًرَجَت منه (أهلا ) وكأنك تُخرجُ مالًا من بخيل !
أعدت السلام رافعا صوتي بشكل مبالغ ومستفزّ ، لأني شعرتُ بالإهانة من لامبالاته ، عندها تحرّك رأسُه إلى الأعلى ناظرًا إليّ ، فلمعَت من بين شفتيه مجموعةٌ من المسامير مدفوشة بطرف لسانه !
وخرجَت من بين المسامير عبارة : إرجع بعد يومين !
يبدو أنْ لا سرير شاغرٌ لحذائي المريض... فالأتوسّل طلبا للشفقة وتغيير الرأي !
" يا عم ! لا أملك حذاء آخر ! أرجوك أن تُدخلَه إلى الطوارئ ريثما تفرغ إحدى الغرف !"
حدجني بنظرات مخيفة ، ثم تقيّأ المسامير في راحة يده .
" تعا اقعود محلّي ! عم قلّلك بدك تنتظر دورك " ثم نقَفَ المسامير باتجاه فمه فلم يضلّ أحدُها الطريق !
- يا عمّ ! حذائي كما ترى لا تكفيه الطوارئ فحسب، بل يلزمه العناية الفائقة !
ومددت يدي إلى جيبي وكان فيها عملةٌ زرقاءُ من فئة الخمسة دولارات ، فسحبتها شيئا فشيئا ، وما إن لمح طرفها حتى كبس شفتيه وجرض ريقَه ، فخفتُ أن يكونَ قد ابتلع المسامير !
أعاد استفراغ المسامير قائلا : إخلع نعليك إنّهما في حالة مأساوية ... فعلا تلزمهما عناية فائقة !