28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

البطل الصغير ، مجموعة قصصية للأطفال لِشيرين خليل ، من هو البطل ؟ وما البطولة؟ / جريدة الايام الالكترونية

البطل الصغير ، مجموعة قصصية للأطفال لِشيرين خليل ، من هو البطل ؟ وما البطولة؟ / جريدة الايام الالكترونية عبد المجيد زراقط : *
" البطل الصغير " ، لشرين خليل ، مجموعة قصص قصيرة تنتمي الى أدب الأطفال . تثير هذه المجموعة القصصية هذين السؤالين : من هو البطل ؟ وما البطولة ؟ ، وتجيب عنهما . نحاول ، في يأتي تبيُّن تلك الاجابة .
يبدو لي أنَّه من المفيد ، قبل أن أتحدَّث عن قصص هذه المجموعة ودلالاتها ، أن أعرِّف أدب الأطفال ، وأميُّزه من أنواع الأدب الأخرى .
أدب الأطفال هو الكلام الجميل ، المُعدّ والمُوجَّه للأطفال ، المُراعي خصائصهم على مختلف المستويات ، والناطق جمالياً برؤية تربوية ، تصدر عن منظومة قيم وطنية وانسانية ، يتلقَّاها الطفل ، وهو يشعر بمتعة أدبية ، مايتيح لهذه الرؤية أن تسهم في تكوين شخصيته ، وجعلها شخصية قادرة وفاعلة في مجتمعها .
في ضوء هذا المفهوم ، أحاول ، بقدر ماتسمح به هذه المقالة القصيرة ، أن أقدِّم معرفة بهذه المجموعة القصصية .
تتضمَّن مجموعة " البطل الصغير " خمس قصص قصيرة ، ثلاث منها تصدر عن مرجع اجتماعي واقعي ، وهي : " البطل الصغير " ، و" مملكة النحل " ، و" شجرة التوت " ، واثنتان تصدران عن مرجع متخيَّل ، الأولى : " النمر المغرور " ، ومرجعها عالم الحيوان ، والثانية " تناغم الكون " ومرجعها عالم الكون . ان يكن عالم هاتين القصتين متخيَّلاً ، فانَّهما تبدوان مقنعتين ، وفاقاً لشروط العالم الذي تجري أحداث كلٍّ منهما فيه ، وتنتظمان في تشكيل الرؤية التربوية الكلِّية التي تنطق هذه المجموعة القصصية بها .
يبدو لي أنَّ عنوان هذه المجموعة القصصية : " البطل الصغير " دالٌّ على قضية هذه الرؤية المركزية ، وهي " البطولة " ، بطولة الانسان الذي يواجه معوِّقات كثيرة ، وهو يسعى الى تحقيق ذاته .
البطولة المعنيَّة هنا ، ليست أيَّ بطولة ، وانما هي " البطولة المعاصرة " المختلفة عن بطولات العصور الماضية ، فما هي عناصر هذه البطولة ، كما نطقت قصص هذه المجموعة بها ؟
في البدء ، نتبيَّن أن نسقاً سائداً في هذه المجموعة ، وهو الايمان الديني ، ففي قصة " البطل الصغير " ، نتبيَّن فاعلية المبدأ القائل بأنَّ وراء كل محنة منحة ، وبأنَّ حكمة الله ، سبحانه وتعالى ، تعوِّض الفقد . ونتبيَّن كذلك أنَّ هذا المبدأ هو الذي أخرج ياسين من محنته ، المتمثِّلة في موت أبيه وأمه وخسارته ذراعه اليمنى ، وجعله يعتمد عل نفسه ، ويحمد الله ، ويستعين به ، ويتغلَّب على المعوِّقات التي واجهته .
ونلحظ أنَّ أحمد ، في قصة : " مملكة النحل "، يتوضأ ، ويؤدي صلاة الفجر ، ويستشهد باَيات قراَنية كريمة ، منها الدالة على أن النحل اَية من اَيات الله تتجلى فيها قدرته ، ومنها أن العسل فيه شفاء للناس ، وهذا ماتفعله النجمة في قصة : " تناغم الكون " ، وما تردِّده العجوز في قصة :" شجرة التوت " . كما نلحظ أنَّ مكوِّنات الكون ، في قصة :" تناغم الكون " تسبح الله ، وأن الكلمة الموجهة الى طابور الصباح ،في قصة : " شجرة التوت " تلقيها معلمة التربية الدينية ، وفي هذه القصة تدعو السيدة العجوز الى العمل بما يقوله الحديث الشريف : " لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحبُّه لنفسه " ، كما نقرأ الاَية الكريمة :" وقل اعملوا ، فسيرى الله عملكم ... " . الأساس ، هنا ، هو أن العمل الانساني يتم في فضاء تكوِّنه هذه الاَية الكريمة ، والعامل ، في هذا الفضاء الايماني هو البطل .
ان يكن الأمر هكذا ، فانَّ العامل ، في هذا الفضاء، يعمل ، وهو مقتنع بأنَّ قيمة الانسان تتمثل في مايحسنه ، وفي ماينجزه . وهذا ماتفيده الاَية الكريمة : ( وأن ليس للإنسان الا ماسعى ، وأن سعيه سوف يُرى ، ويُجزى الجزاء الأوفى ) . وهذا مايقوله الامام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) :" قيمة المرء مايحسنه " .
البطل هو من يحقِّق ذاته بجهوده ، في فضاء التقوى ، والفتى هو من يقول : " هاأنذا... " ، كما أنشد ياسين في نهاية قصة : " البطل الصغير " ، وهذا ماتنطق به القصص الأخرى ، فالنمر القوي جسدياً ، في قصة :" النمر المغرور " ، على سبيل المثال ، كان مغروراً بقوته ، لكنه كاد يغدو فريسة للذئاب عندما أوكل أمره للثعلب ، وتعلَّم ، من طريق التجربة ، أن السعيد هو من يعمل ، ويحصِّل مايكفيه ، كما فعل كلٌّ من العصفور والنملة .
ويبدو واضحاً بيان أهمية التعلُّم ، ففي القصص جميعها ، كان التعلُّم مقدمة وأساساً للنجاح ، والتعلُّم المقصود ، هنا ، ليس التعلُّم المدرسي فحسب ، وانما التعلُّم من تجارب الحياة كذلك ، وشخصيات القصص جميعها ، استطاعت تحقيق انجازاتها ، بعد أن أفادت من دروس المدرسة ، ومن دروس عيش الحياة .
والتعلُّم لايمكن أن يتحقَّق الا في فضاء انساني قوامه قبول الاَخر ، والعمل معه بحبٍّ وتعاون ، وبعقلية الفريق المتكامل ، وهذه سنَّة الكون المتناغم ، كما كشفت شخصيات قصة :" تناغم الكون " ، ووجهت خطابها للإنسان ، وطلبت منه أن يقتدي بها ، فيحيا منتجاً معطاءً ، وتالياً سعيدا .
هذه هي الفطرة التي أودعها الله ، سبحانه وتعالى ، في مخلوقاته ، فالنحل يعمل فطرياً ، في مملكته ، في نظام محكم . وفي هذه المملكة ، الجميع يعمل ، بما في ذلك الملكة ، بغية تحقيق الهدف العام .
تناغم الكون يقتضي أن يسود المجتمع ، كما يسود الكون ومملكة النحل ، الصانعة للعسل ، نظام ينتج " العسل الاجتماعي – الوطني " ؛ وذلك عندما يكون لكل شخص في هذا النظام ، وظيفة ، ينبغي أن يؤديها بإتقان .
وفي هذه الحال ، يكون الناس سواسية ، متساوين في الحقوق والواجبات ، كلٌّ في ميدانه ، لايُستهزأ بأيٍّ منهم ، ولا يُقلَّل من قدره .
بائعة التوت ، العجوز الفقيرة ، التي ترتدي الثياب القديمة ، تعمل ، وتعتزُّ بنفسها وعملها ، ولا تقبل أن يمنَّ عليها أحد بحسنة ، وتساعد الاَخر ، المتمثل بغدير التي استهزأت بها ، وأساءت اليها ، وحاولت ايذاءها .
في هذا المجتمع ، تتخذ الأمور مفاهيم أخرى تختلف عن المفاهيم المتداولة ، فلا يؤمن المرء ، حتى يحبّ لأخيه مايحبُّه لنفسه ، وقيمة الانسان لاتتمثل في حسبه ونسبه ، وانما فيه هو نفسه ، بوصفه مشروعاً يحققه هو بعمله ، والقوة ليست القوة الجسدية أو المالية أو العسكرية ، وانما هي قوة شخصية الانسان : قوة ارادته ، وعلمه ، وعقله ، وعزمه، واعتماده على نفسه ، وقدرته على اتخاذ القرار وتنفيذه ، والعمل بغية تحقيق الهدف ، من دون أن يعوِّقه ماأصابه من محن عن المضي طريقه ، وقبول الاَخر وحبه والتعاون معه ، وهذا هو الغنى الحقيقي ، وفقده هو الفقر الحقيقي ، والأحمق هو من لايعمل ، ويطلب مساعدة الاَخرين .
تكتمل هذه الرؤية في سياقات القصص جميعها ، فتتكامل الرؤية . وفي السياق نفسه ، تقدم القصص معرفة علمية ، ومن نماذج ذلك التعريف بمملكة النحل ، وشجرة التوت ، وصناعة الحرير ونظام الكون وتناغمه ... ،
كما أن القصص تقدِّم بعض النصوص الدينية ، من اَيات قراَنية وحديث شريف ، وتبيِّن دلالاتها في مسار قصصي كاشف يعادل مسار وقائع الحياة المعيشة .
ولعلنا ، في الختام ، نستطيع القول : ان هذه المجموعة من القصص القصيرة ، من أدب الأطفال ، تقدِّم رؤية تربوية متماسكة تصدر عن منظومة قيم تربوية وطنية وانسانية ، كما تقدِّم معرفة في سياق قصصي مسلٍّ وممتع .
عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص وروائي.
جريدة الايام الالكترونية. بيروت