28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

عبد المجيد زراقط، جبل عامل.. الخصوصية التاريخية / جريدة الأيام الإلكترونية

عبد المجيد زراقط، جبل عامل.. الخصوصية التاريخية / جريدة الأيام الإلكترونية جبل عامل : الخصوصية التاريخية
مثَّل جبل عامل "الملاذ" للثائرين على أنظمة الجور والاستبداد طوال التاريخ الإسلامي، وعُرف أبناؤه بصفات تمثل خصوصيَّة، منها: انتماؤهم إلى الإسلام المحمَّدي الأصيل، وأتباعهم مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فكانوا، كما يصف القرآن الكريم المسلمين الأتقياء، أشدَّاء على أعدائهم رحماء في ما بينهم، وسعاة في طلب العلم، طوال تاريخهم،
لم يخلُ جبل عامل لا من المدارس ولا من العلماء.
يقول محمد كاظم مكي: "لم يخل جبل عامل، منذ القرن السابع حتَّى أيامنا هذه، في أيِّ عهد من عهوده السَّابقة، من ظلِّ المدارس، فإذا ما خبت واحدة قامت أختها". ثم يعرض لهذه المدارس ويستجلي آثارها جميعاً في النشاط العلمي().
ويقول السيد محسن الأمين (رضوان الله عليه) إنَّ أسرة آل الأمين لم ينقطع العلماء والأدباء عنها، منذ "ما يزيد على القرنين ونصف القرن، فمنذ ذلك العهد إلى يومنا هذا ما زال يوجد فيها في كل عصر الواحد والاثنان والثلاثة والأكثر من افاضل العلماء والفقهاء والصلحاء والأدباء والشُّعراء، وقلَّ أن يوجد فيهم من لا يحسن الشعر ويجيده"().
ويروى أنه "كان عند السيد أبي الحسن [موسى، ولد سنة 1138 هـ]، في مدرسته، من طلاب العلم، نحو ثلاثمئة طالب يحضر في حلقة درسه منهم نحو المئتين..."().
بنى مسجداً كان يقيم فيه الجمعة والجماعة، ويحضر للصَّلاة خلفه، يوم الجمعة، أكثر أهل القرى المجاورة، ومنهم أمير البلاد ناصيف النصَّار، فيمتلئ بهم على سعته"().
"يبلغ عدد طلاَّب مدرسة المحقِّق الميسي أربعمئة طالب()، وكانت عيناتا وميس وجزين ومشغرى وكرك نوح وغيرها غاصَّة بالمدارس وطلاَّب العلم، وتخرج فيها الألوف من أعظم العلماء الشيعة"().
لهذا عُرف جبل عامل بـ"جبل العلماء" و"جبل الشعراء"، و"جبل العلماء الشعراء".
وقد ارتبطت الحركة العلمية الأدبية بالحراك الاجتماعي – الوطني، فقلَّما نجد عالماً أو أديباً، في جبل عامل لم ينشط اجتماعياً ووطنياً، هذا إن لم يكن هو القائد الموجِّه.
بدا واضحاً أنَّ الحركة الفكرية – الأدبيَّة كانت، ولا تزال، في جوهرها دينيَّة توجِّهها الرؤية الإسلامية الشاملة إلى العالم، وهي في غالبها فقه وحديث وعلوم إسلاميَّة ولغة وفلسفة، والبارز فيها، لدى العلماء الأدباء، الشعر والنثر الأدبي والتربوي، والقصُّ، وأدب الرحلة، والتاريخ والسِّيرة، وكانت، ولا تزال، في اتصال بالعالم العربي – الإسلامي من طريق الرَّحلات العلميَّة، التي كان كثير من القائمين بها يحرصون على تحصيل المعرفة بمختلف المذاهب الإسلاميَّة، ويعملون على التقريب بين المذاهب، بغية تحقيق الوحدة الإسلاميَّة.
وفي ما يتعلق بالشِّعر، وهو النوع الأدبي الأكثر حضوراً، بدا جلياً التزام العلماء الشعراء بتقاليد الشعر العربي، في الوقت نفسه الذي كان فيه تأثر بأشكال الشعر الفارسي، نتيجة اتصال العلماء العامليين بأقرانهم الإيرانيين، وإطلاعهم على نتاجهم، ما جعل الشعر العاملي غير منقطع عن الاتصال بالشعر الفارسي، وظل الاتصال كما كان في زمن الدولة الإسلامية، من دون ان ينقطع كما حدث للشعر في غير قطر عربي.
أما موضوعات الشِّعر فتتمثَّل في المديح الديني: مديح النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمة (عليهم السلام)، والأعيان، وهو مديح يضع أمام المتلقِّي الأنموذج القدوة، وفي وصف الواقع ونقده والدعوة إلى تغييره من منظور إسلامي، وفي أدب المعارك التي كان يخوضها العامليون، وهي كثيرة، وفي المناظرة، وفي بثِّ الوجد الذاتي الذي يصور معاناة الحياة في مختلف وجوهها، وعرف هذا الشعر ظاهرة بارزة هي شعر المهجر، الناطق بمعاناة الغربة والحنين إلى الوطن، وهذا كله يعني أن هذا الشعر كان شعراً إنسانياً يرقى بالمحلِّي الى العالمي، لأنَّه يصور عيش الإنسان العاملي الذي كان يسعى إلى أن يعيش حرَّاً يعمل في سبيل كسب رضا الله سبحانه وتعالى، وكسب رزقه من عرق جبينه. عرف هذا الشعر ظاهرة بارزة هي شعر المهجر، الناطق بمعاناة الغربة والحنين إلى الوطن، وهذا كلُّه يعني أنَّ هذا الشعر كان شعراَ إنسانياً، يرقى بالمحلِّي إلى العالمي، لأنَّه يصوِّر عيش الإنسان العاملي الذي كان يسعى إلى أن يسعى حرَّاً، يعمل في سبيل كسب رضا الله، تعالى، وكسب رزقه من عرق جبينه. وقد يفضي به هذا إلى الطَّواف في بلاد الله (عزَّ وجل) الواسعة، كما فعل علي بن محمد العاملي، المعرف بنجيب الدين الجبيلي (ت. بعد 1050 هـ/1640م) الذي قصر شعره على الرحلات.
وقد طوَّف في الحجاز والهند وإيران والعراق، ونظم في ذلك أرجوزة تبلغ حوالي ألفين وخمسمئة بيت...، وقد تضمنت مواعظ وحكماً، وقد أنهى حكمته بأن حطَّ الركاب في بلاده:
حتى وصلنا لدمشق الشام
والحــمــد لله عــلــى الــتَّــمــام
وقد مضت لهجرة أعوام
وجمعها تاريخه ختام = 1041 هـ
شكل هذا الطواف تجربة إنسانية فريدة صورها غير شاعر، كما مرَّ بنا، ونذكر هنا، ما يدل عليها من شعر أحد الشعراء الذين فُقد معظم شعرهم، وهو محمد الحياني، من قرية "بني حيَّان" قضاء مرجعيون().
قال الشيخ محمَّد الحيَّاني من رجال القرن العاشر الهجري يحنُّ إلى قريته بني حيان وقد نأى عنها إلى العراق وإيران:
إذا مـا بـدا مـن جانب الشام معرق
عــســاه لــقلبــي بالوصــال يــبــشِّــر
وإن هبَّ من أرض النحارير نسمة
تـنـسَّــمت روح الوصـل فـيـها فاذكـر
رعـى الله أيَّـاماً تقضت وأعـصـراً
مضت في بني حيَّان والغصن أخضرا
وقال في قصيدة أخرى معتزَّاً بقريته وهو يصف قصيدة له:
عربيَّة الألفاظ حيَّانيَّة
يعنو لمعنى حسنها حسَّان
وهو في النجف الأشرف:
ولولا ضــريح أنــت فــيـه موسَّد
لما اخترت غير الشام أرضي من بدل
ولا كنت عن أرض النحارير نائياً
ولا عن بني حــيَّان ما ساعد الأجل()
وفرة الشعر التعليمي، فالعلماء الشعراء كانوا مدرِّسين يسعون إلى تسهيل حفظ المعلومات، فكانوا ينظمون في مختلف موضوعات العلوم التي يدرِّسونها. تجسيد التجربة الحياتيَّة العامليَّة، على مختلف المستويات، ضمن تصوير للحياتي المعيش، وتجسيد للوقائع السِّياسيَّة، سواءً في ذلك في عهد النهضة، أم في عهد المحنة بعد اجتياح الجزَّار لجبل عامل
الدكتور عبد المجيد زراقط.كاتب وأكاديمي - ناقد أدبي - قاص وروائي
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت.
----------------------------
ملحوظة : ماتنبغي الاشارة اليه هو أنَّ كل اقتباسى من أي مرجع مُحال الى مرجعه في الهوامش ، لكن الهوامش لاتظهر في نهاية المقالة ، لأسباب تقنية، فاقتضى التوضيح.