المرتضى يفنّد موقفه من باربي ويشرّح إقتراح بعض النواب تشريع الشذوذ / جريدة الأيام الإلكترونية
وكتب المرتضى في مقاله:
"بالإذن من محمود درويش ومارسيل خليفة. فالبلبال الذي شهدته الساحة اللبنانية يسمحُ لي أن أبلبل قليلًا كلمات أغنيتهما، وأنطلق منها كي أعود إليها في نهاية المطاف، بعد رحلةٍ باردةٍ في المجريات الساخنة.
أصدرت قرارًا أطلب فيه من السلطة المختصة منع بثّ فيلم باربي، فقامت قيامة لم تقعد بعد. ومجموعة من النواب تقدموا باقتراح قانون يرمي إلى إلغاء المادة 534 من قانون العقوبات، كان لنا منه موقف فثارت ثورة لم تنطفئ حتى الآن.
سأحاول أن أتناول هذين الموضوعين بأبعاد علمية حقوقية بعيدًا عن الغوغائية التي اتسمت بها من دون مبرر عقلاني بعض ردود الأفعال الرسمية والشعبية، وأذكتها منصات ووسائل إعلام.
ألفت النظر أولًا إلى وهن الحجة التي عابت عليّ أنني فعلت ما فعلت في وقت تسيطر على البلد فيه أزمات سياسية ومعيشية أهم بكثير من موضوعي القرار والاقتراح. فهذه الحجة تشبه من يقول للجائع اسكت إذا سرقوا منك ثيابك.
إذ ليس من الأخلاقية السياسية بشيء أن يتوقف أي مسؤول عن القيام بدوره، إذا كان التعطيل العام يحتلُّ الحياة الوطنية، بل ينبغي أن تثمَّنُ جهود كل مبادر، حتى ولو لم يلْقَ الإجماع، بل حتى ولو جوبه بالرفض، فالكوة الصغيرة يدخل منها النور أيضًا.
إنها قاعدة متعلقة بالنظام العام القانوني، لا يجوز المساس بها، وإلا ساد الحياة القانونية خلل وعدم استقرار. وإسقاط الأحكام يشكل من ناحية أخرى صورة من صور العفو عن جرائم حوكم مرتكبوها، في حين أن قوانين العفو لا ينبغي لها أن تتسلل تسللًا في ثنايا قوانين أخرى، كأنها "فرسان الموازنة"، بل يستحسن بحثها وإقرارها على حدةٍ تأمينًا لصالح الدولة وللاستقرار الاجتماعي. ومن العيوب كذلك المادة الثالثة بكاملها، إذ لا شك في أن هذا الاقتراح يتعارض مع صراحة المادتين التاسعة والعاشرة من الدستور، فهل يجوز إلغاء نصٍّ دستوري بقانون عادي؟ لكن المهم في هذا الاقتراح اعتراف مقدميه، ولو عن غير قصد، بأن المثلية الجنسية مجامعة على خلاف الطبيعة وأنها جرم يعاقب عليه القانون، وهذا ما قاله فعلًا وزير الثقافة فهاجموه، وإلا فلماذا تقدموا باقتراحهم؟ أوليس من أجل تشريعها؟؟ وما معنى هجومهم على الوزير إذًا؟"
تبقى مسألة جديرة بالملاحظة، أن بين من وقعوا الاقتراح رجل قانون واحدًا من أصل تسعة موقعين. ولعلَّ هذه النسبة أو ما يقاربها هي نفسها نسبة أهل القانون إلى أهل الصدفة والسياسة والمال والطائفية في المجلس النيابي. هذه الفجوة لا تؤثر فقط على التشريع، بل على الخطاب السياسي أيضًا، كما حدث لوزير الثقافة مع منتقديه الذين لم يجدوا إلا الشتائم ومواقف التعصب والانفعال سلاحًا لردودهم على قرار يشكل في حده الأدنى اجتهادًا قانونيًّا. حتى إذا انبرى أحدهم إلى رد "قانوني" قال ما معناه أن القوانين تطبق بحسب أرقام موادها، فالمادة السابعة مثلًا قبل الثامنة، والثامنة قبل التاسعة، وهكذا دواليك، فيا للعجب.
في الختام نؤكّد مجدّداً أن النقاش الموضوعي من قبل أهل الاختصاص، هو وحده الذي يكشف الحقيقة ويؤدي إلى الصواب. أما من يريد ان يفرض على أبناء المجتمع كافة توجّهاته "الحرّة"، فعليه أن يغيّر إيماننا مسلمين ومسيحيين، وأن يعدل دستورنا ويجعله في حلّ من احترام القيم الايمانية. فإذا نجح في ذلك - وأعده بأنه لن ينجح - فسوف نسعى لمساعدته على حضور جميع الأفلام التي يريد وعلى سنّ قوانين الشذوذ والمثلية التي يشتهي، وحتى ذلك الحين، لن نتخلف عن أداء الواجب الدستوري والوظيفي والوطني، في بثّ الوعي لما يحاك لمجتمعنا وبلدنا، وفي تحصين مبدأ العيش معًا، وفي ترسيخ المفهوم الصحيح للحريات العامة، التي لا يمكن أن تمارس إلا وفق الضوابط الدستورية والقانونية.
على أمل أن يزول هذا البلبال في برج بابل اللبناني، سنظل نردد مع مارسيل خليفة ومحمود درويش: في البال أغنية يا أخت عن بلدي".
المصدر: الوكالة الوطنية
- علامات:
- مجتمع