28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

عبد المجيد زراقط ،دور العلماء العامليِّين الأدبي{ الشيخ إبراهيم يحيى (1154/1214 هـ - 1741/1800م)} / جريدة الأيام الإلكترونية

عبد المجيد زراقط ،دور العلماء العامليِّين الأدبي{ الشيخ إبراهيم يحيى (1154/1214 هـ - 1741/1800م)} / جريدة الأيام الإلكترونية هو الشيخ إبراهيم ابن الشيخ يحيى ابن الشيخ محمَّد بن نجم المخزومي().
ولد في قرية الطَّيبة. كان عالماً فاضلاً، قرأ على السيد أبي الحسن موسى بن حيدر بن أحمد الحسيني، المتوفى سنة 1194 هـ، في مدرسة شقراء(). كان أديباً شاعراً مطبوعاً نظم فأكثر حتى اشتهر بالشِّعر، وورث ذلك منه أولاده وأحفاده...، ما أدَّى إلى تكوُّن أسرة علميَّة أدبيَّة تعود في أصولها إلى الشيخ محمَّد بن نجم المخزومي.
لمَّا استولى الجزار على جبل عامل، وقبض على من قبض، وقتل من قتل من زعمائه وأعيانه، هرب من أفلت منهم إلى بعلبك ودمشق والعراق وإيران والهند، وكان الشيخ إبراهيم في جملة من اختفى مدَّة، ثمَّ هرب إلى بعلبك، وكان ذلك في شهر رمضان من عام 1195 هـ، ولقي في هربه شدَّة عظيمة حتى قيل إنَّه بقي أياماً لا يذوق الطعام حتى وصل إلى بعلبك، فبقي فيها نحو عشرين يوماً، ثمَّ قصد دمشق، وبقي مدَّة يتردَّد بين دمشق وبعلبك، ثمَّ سافر إلى العراق، فأقام فيها مدَّة قرأ في أثنائها على السيِّد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر النجفي، صاحب كتاب كشف الغطاء، ثمَّ سافر إلى إيران لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، ثمَّ عاد إلى دمشق، وتوطَّنها إلى أن مات، ودفن في مقبرة باب الصغير في دمشق().
ترك عدَّة مؤلفات، منها "الصِّراط المستقيم" في الفقه و"الجمانة النضيدة"، وهي منظومة تتألف من ألفي بيت في علم الكلام والأصول، وديوان شعر "يربو عدد أبياته على أربعين ألف بيت من بدائع الشعر وغرره، غير أنَّ القسم الكبير من هذا الشعر قد فقد، ويتمثَّل هذا القسم في معظم ما نظمه قبل مغادرته جبل عامل مرغماً.
والموجود من شعره، اليوم ديوان أصدره المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، بعنوان: "ديوان شاعر جبل عامل، العلاَّمة الشيخ إبراهيم يحيى". إشراف حبيب صادق، المنتمي إلى أسرة الشاعر، جمع وتحقيق، حبيب جابر، تحقيق وتوثيق: فيصل المطر.
يتضمَّن هذا الدِّيوان ثلاث مجموعات شعريَّة تضم شعره الذي نظمه عقيب غزو الجزار، إضافة إلى ما احتفظ به في مجاميع ممدوحيه.
تتضمَّن المجموعة التي دونَّها الشيخ إبراهيم نفسه، كما قال: "ما رقَّ وراق..." من شعره، ما يعني أنَّها مختارات أثبتها لمحبٍّ أعانه على الدَّهر، وتبدأ بأرجوزة سمَّاها الشاعر "الدرَّة المضية في الأصول الدينية"، ثم تلي القصائد، وهي متنوعة بين مديح النبي (صلى الله عليه وسلم وآله عليهم السلام)، ومديح عدد من الولاة والأعيان أبرزهم أحمد آغا الدنكزلي، وهو والي صيدا، وبين رثاء وتصوير واقع وحنين()...
تميُّز شعره
يقول الشيخ سليمان ظاهر: "شعره من النمط العالي، وهو متفوِّق بروحه الشعرية وأسلوبه على روح العصر الذي نشأ فيه شعراء جبل عامل والشام، وبرع في فن التخميس براعة بدَّ فيها الأوائل والأواخر ممن ضربوا في هذا الفن بسهم وافر، حسبك أنه انصب على ديواني الشريف الرضي والأمير أبي فراس الحمداني، فخمَّس جلَّ الأوَّل والثاني برمته، مضافاً إلى ما رصَّعه به من القصائد المشهورة لكثير من مشاهير الشعراء كالبردى والتتربة لابن منير الطرابلسي وقصيدة ابن زريق"().
ويقول السيِّد محسن الأمين: "إنَّ الشيخ إبراهيم يحيى نظم فأكثر...، لكن كثيراً من شعره محتاج للتهذيب، فظهر أنَّه قلَّما كان يعيد النَّظر فيه، وكانت له اليد الطولى في التخميس"().
وهكذا، كما يبدو، توافرت للشيخ الشاعر شروط أوَّلها: الموهبة أو الملكة، والانتماء إلى أسرة علم وأدب، وثانيها المعرفة بعلوم عصره، وحصَّلهما في مدارس علمية عريقة لم تقطع صلاتها بالثقافة العربية الأصيلة، وثالثها الثقافة الشعرية والدُّربة على نظم الشعر المتمثلتان بقراءة روائع الشعر العربي ومعارضتها وتخميسها، وهما ما صقل الموهبة/ الملكة، وجعلها قادرة على تمثُّل التجربة وأدائها، ورابعها التجربة الحياتية الغنية التي عاشها، سواء قبل نكبة الجزار أم بعدها.
ينشئ الشاعر بنية شعرية تقليدية، غير أننا نلاحظ أنَّه يبدأ كثيراً من قصائده مباشرة من دون مقدمات، كما في مدحه لعلي الفارس الصعبي: علي ربيع المجديين ومن به
تآلف شمل الجود بعد تبدُّد
وفي قصائده التي تبدأ بالنسيب، نراه ينشئ مقدمة لا يطيل فيها، ويحسن التخلُّص إلى الغرض، ما يجعل المقدِّمة عنصراً من عناصر القصيدة. أما مديحه الدِّيني فهو، في الحقيقة، خطاب شاعر إلى إمامه ووليِّه: الإمام علي عليه السلام يشكو إليه فيه مصابه، وقد بدا فيه، علاوة على عاطفة الولاء المشبوبة للإمام علي عليه السلام، ثلاثة أمور: أوَّلها تأثر الشاعر بروح العصر الشعرية المتمثلة بوشي الصناعة، وثانيها الصورة الشعرية الملموسة المستقاة من محيط الشاعر، وثالثها، توظيف ما سبق في سبيل النطق بقضيته المركزية/ المحور، وهي تصوير تجربته الحياتية المتميزة، فكانت هموم النفس كما قال خمرة كؤوس الشعر المتلألئة.
في قصيدة() يتشوق فيها إلى عاملة، يبدأ بالتساؤل، من دون مقدمة: من لي بردِّ مواسم اللذات
والعيش بين فتى وبين فتاة
ويذكر عهده في هاتيك المعاهد، والروض أفيح والجناب ممنع، والشمل مجتمع والزمان موات...، ثم يصور أبناء عاملة، فيقول:
... إذ لا ترى إلاَّ كريماً كفُّه
والوجه عين حيا وعين حياة
أو مولعاً بالجود نفهق قدره
ويداه بالمعروف في اللزيات
أو فارساً يغشى الوغى بمهنَّد
ينتفض مثل النجم في الهبوات
... أو عالماً حبرا إذا خضخضته
حشد المحيط عليك بالغمرات
أو عابداً لله تعظيما له
لم يعم بالرَّغبات والرَّهبات
يخشى الإله وما أصاب محرما
فكأنه يخشى من الحسنات
حتى إذا سيم الهوان رأيته
كالليث أيقظه نطاح الشاة
أو شاعرا ذرب اللسان تخاله
قحَّاً ترعرع في الزمان العاتي...
ليس في عاملة سوى كريم جواد وفارس مغوار وعالم حبر وعابد كأنه يخشى من الحسنات، وإذا سيم الهوان غدا ليثاً أيقظه نطاح الشاة، ما يذكِّر بالآية القرآنية الكريمة (مُحمَّدٌ رسُولُ اللهِ والذِّين مَعَهُ، أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّار رُحَمَاءُ بَيْنَهُم)، أو شاعر مفلق..
. لكن هذا جميعه فقد، فغدا يتلهف ويشكو:
أشكو إلى الرحمن بعد أحبة
عصف الزمان بهم وقرب عداة
خطب دعاني للخروج من الحمى
فخرجت بعد تلوُّم وأناة
... وطرحت رحلي في الشام، ولم تكن
لولا صروف الدهر من حاجاتي
مستوطنا دار الضلال وربما
ألقى التقي عصاه بين العصاة
ثمَّ يصور ما يعانيه أهل الشام، فكأنَّه يقيم ثنائيَّة: طرفها الأوَّل واقع مضيء فقد، وطرفها الثاني واقع مظلم يترسخ.
د. عبد المجيد زراقط - أكاديمي - ناقد أدبي- قاص وروائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت