عبد المجيد زراقط، دور العلماء العامليِّين الأدبي | ( ٢) جبل عامل ملاذ المقاومين للسلطان/ جريدة الأيام الإلكترونية
التشيُّع ، في جبل عامل، قديم، يعود به بعضهم إلى زمن نفي أبي ذر إلى الشام، وإخراج معاوية له من دمشق إلى القرى البعيدة عنها، والثابت أنَّ ابتداءه كان في أوائل المئة الثالثة للهجرة، وكان يزداد مع الزَّمن، فناصر خسرو يذكر أن أكثر أهل صور شيعة...().
وأياً يكن الأمر، في مسألة حضور أبي ذر في التاريخ العاملي، سواء أكان ذلك حقيقة تاريخية أم صنع ذاكرة، فإنه يمثل، في وجدان العامليين، جذراً أسهم في تشكيل نمط تعاملهم مع واقعهم ().
ويبدو أنَّ تشيُّع أهل جبل عامل يعود إلى آونة مبكرة، فممَّا يروى أنَّ "... معاوية كان حبس فيه من ظفر به ممَّن كان يُتَّهم بقتل عثمان، منهم محمد بن أبي حذيفة وابن عديس وكريب بن أبرهة، وذلك سنة 37 [هـ](). ويحدِّد ابن الأثير الجزري الموقع الذي لقي فيه محمد بن أبي حذيفة مصرعه بـ"جبل الجليل". ولما كان جبل الجليل متَّصلاً بجبل عامل، يمكن القول: إنَّ هذه المنطقة كانت، في آونة مبكرة، مكاناً يقصده الشيعة، المطاردون من السُّلطة، كما أن السُّلطة كانت تنفي الثائرين عليها إليها، ما جعلها ملاذاً لهم().
وتُنسب رواية للإمام جعفر الصَّادق (عليه السلام) يقول فيها عن أبناء جبل عامل : "هؤلاء شيعتنا حقاً... واللينة قلوبهم لنا، والقاسية قلوبهم على أعدائنا"().
إنَّ موقع جبل عامل الجغرافي، وانتماء سكَّانه، جعلا له خصوصيَّة "الملاذ" ولأبنائه خصوصيَّة أشار إليها الإمام الصادق، فذكر ثلاثة عناصر هي: شيعةٌ حقَّاً، ليِّنة قلوبهم لنا، قاسية على أعدائنا، ويمكن أن نفيد، من بعض الوقائع التاريخية، لتبيُّن هذه الخصوصية.
في القديم، قال الشاعر الشعبي، "شناعة العاملي" في قصيدة له: "...حتَّم ناصيف بالدَّيري وزمزم
بـربِّ الـبـيـت والـمخـتـار طـاهــا/ مَـزَالي جاذب السَّرْعـين بيدي
بلادي ما أحد غيري يطاها..." ().
وفي هذه الأيام، وقف الروائي الإسرائيلي عاموس أوز، على شاشة التلفزيون الإسرائيلي ليقول: إن ما شاهدناه، في جنوب لبنان، هو الدليل القاطع على سقوطنا، فثمَّة رجال يتمسَّكون بالأرض تمسُّكهم بالأبد".
الدكتور عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص وروائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت
- علامات:
- مجتمع