28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين.. بداية سهرة مع اللغة العربية ، في ليلة يومها العالمي/ جريدة الأيام الإلكترونية

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين.. بداية سهرة مع اللغة العربية ، في ليلة يومها العالمي/ جريدة الأيام الإلكترونية عبد المجيد زراقط:
دعاني صديقي أبو شوقي الى سهرة ثقافية في منزله . قلت له : منذ اجتاحتنا " الكورونا " لم نسهر مثل هذه السهرة ، ماالمناسبة ؟ قال : ألا تعلم أنَّ غداً ، الأحد ، الواقع فيه الثامن عشر من كانون الأول – ديسمبر ، هو اليوم العالمي الذي اعتمدته " اليونيسكو " للغة العربية ؟ قلت : بلى . قال : هذه هي المناسبة ، وقد دعوت أصدقاءنا من اللغويين والشعراء والروائيين والصحفيين ... . قلت : سهرة لاتُفوَّت .
كنت أوَّل الواصلين . رأيت ، من بعيد ، صديقي ، القاصَّ السبعيني ، يقدِّم لحفيديه كتباً زاهية الألوان ، وهو يقول : هديتي لكما في اليوم العالمي للغة العربية ، وهما يقولان : لا، ياجدُّو ، نحن لا نقرأ كتباً بالعربية . نحن نقرأ بالانكليزية . اقتربت . سلام وكلام عن الأحوال . جلست ، ومددت يدي الى الكتب التي وضعها صديقي جانباً ، فاذا هي قصص عربية موجهة للأطفال لكبار أدباء الأطفال العرب ، سألت الحفيدين : لمَ لاتقبلان هدية جدكما ؟ قال كبيرهما : يقول أبي علينا أن نتقن الانكليزية ، و... .
دخل والد الحفيدين ، وهو يقول : ألا توافقني على أن القصص العربية غير مشوِّقة وغير ممتعة ، وعلى أن أولادنا من الصعب أن يتقنوا اللغة العربية ؟ ثم ماالفائدة من اتقانها ؟ قال هذا وأقبل يسلِّم . سألته : هل قرأت جميع ماكتبه كتَّاب أدب الأطفال العرب حتى تطلق هذا الحكم العام ؟ أجاب : لم أقرأ لأحدٍ منهم ، ولاأريد لأبنائي أن يقرأوا كتابات لاقيمة لها. دخل صديقنا اللغوي ، ومعلِّم اللغة العربية ، وكان قد سمع ماقاله والد الحفيدين ، فقال له ، بعد السلام والكلام : هل تسمع منِّي هذه الحكاية ؟ قال : أسمع ، ولم لا ؟ قال : كان ابن أحد أقربائي ، منذ سنوات طويلة ، " يُكمل " ( لاينجح ) ، دائماً ، بالعربية ، وكنت أدرِّسه في الصيف ، لينجح في امتحان الاكمال . وعندما صار مهندساً ، سافر الى أميركا ، وغاب سنوات ، ولما عاد ، قصدني ، وطلب مني قصصاً وروايات ودواوين شعر عربية ، موجهة للأطفال ، سألته : أنت !؟ ولماذا !؟ قال : أريد لأبنائي أن يتقنوا اللغة العربية . سكت اللغوي لحظة ، وسأل : مارأيك ياأستاذ شوقي ؟
كان صديقنا الباحث يقف على مقربةٍ منَّا ، ويصغي الى الحديث ، فقال : أنا أجيب :
اللغة ليست وسيلة اتصال وتعبير فحسب ، هي لغة تفكير وحفظ تراث حضاري ومادة ابداع . وبهذا ، فهي مكوِّن أساس من مكوِّنات الهوية الوطنية والقومية ، قريبك يريد لأبنائه أن يمتلكوا هذا المكوِّن في بلاد تمتلك كلُّ جماعة من جماعاتها هويتها . قال هذا ، وجلس . كان الشاعر قد وصل وجلس ، وعلَّق ، بعد انتهاء الباحث من كلامه : كلام في العمق . أعجبني ، خصوصاً ، القول أنَّ اللغة مادة ابداع . أنا أكوكب بها الدنيا كما النجوم تكوكب السماء الزرقاء ، وأجمِّل العالم بها ، كما يجمِّل الدنيا البدر الوضَّاء ، وراح ينقر أزرار هاتفه المحمول . كان الباحث ينظر الى شاشة هاتفه المحمول ، ويضحك . ولم يلبث أن وجه خطابه للشاعر : أنت يا " موهامَّاد " تكوكب وتجمِّل و... . صرخ به الشاعر : من " موهاماد " هذا ؟ قال : أنت كما تكتب اسمك على " الفيس "... . قال : أنا أكتبه بالأجنية ، مراعاة لجماهيري الموزعين في بلاد العالم ... . وسكت . قال معلم العربية : هذه " عقدة الخواجا " . قال الشاعر : أنت ، يامعلم اللغة العربية ،ويا أيها اللغوي العبقري ، ألا تحتاج الى استخدام كلمات أجنبية ؟ وهاهو صديقك استخدم كلمة " الفايسبوك " . قال اللغوي : بلى أحتاج الى استخدام كلمات أجنبية ، ولكني أدخلها الى اللغة العربية ، امَّا بترجمتها الى العربية ، أو بتعريبها ووضعها في صيغة عربية ، فصديقي لم يستخدم كلمة " فايسبوك " ، وانما " فيس " ، وصيغتها على وزن ،" فعل " ، وهذا ماأجازه مجمع اللغة العربية ، وهو تدبير تتيحه مزيَّة الاشتقاق في اللغة العربية ... . قاطعه الصديق الروائي الذي كان يقف في الباب ، ويصغي الى الحديث : اللغة العربية ، أين هي مكانة اللغة العربية في بلاد العُرب أوطاني ؟! اللغة الأجنبية ، وخصوصاً الانكليزية ، طاغية ، كأننا في بلاد أجنبية ، تأتيني رسائل المصرف وشركة الخلوي والمحلات التجارية بالانكليزية ، وأسمع أسماء شوارع في مدينتنا بالأجنبية : فوش واللنبي وفردان وغورو... ، وأقرأ لافتات المؤسسات بالأجنبية . المضحك أن أحدهم سمَّى محلَّ أحذيته في الضاحية الجنوبية ب ... Karina ، واَخر سمَّى بنايته Doria ... ، واَخرسمَّى ملحمته Malhamatte Abou Atteffe ولما ناداه أحد زبائنه : مرهبا ياأبو اَتَّيف ، غضب وشهر سكينه القاطعة ، فقال له : لمَ الغضب ، يا " بو أتوفي " ، هكذا كتبت أنت اسمك ؟ ضحكنا ، وقال له معلم العربية : اجلس ، يا " ماهمود " ، ولا تغضب ، فهكذا أقرأ اسمك على " الوتس " .
جلس الروائي ، وهو يقول : هكذا يكتبون الأسماء على وسائل التواصل الاجتماعي . ضحك كبير الحفيدين ، وقال : أنا أكتب اسمي على " الفيس " أحمد . قال لي جدي : لاتشوه اسم نبينا ، وتكتبه " اَهماد " ، وأنت ستصبح أحمد شوقي ، فتكون مثله أمير الشعراء، ولا تفعل مافعله أبوك عندما كتب اسمه Shawki ، أنا سميته شوقي تيمناً باسم أمير الشعراء ، فاذا به يشوِّهه ، فيجعله " شاوكي " .
قال الشاعر ، وهو يضحك : يبدو أن ابنك ، ياأبا شوقي ، حداثي ... ، توقف وخاطب اللغوي ، نقول حداثي أو حداثوي ، يامعلم اللغة العربية ، ولم ينتظر ليسمع الاجابة ، فأكمل : يبدو أنَّ شوقي لايحبُّ الشعر القديم ، ولا يحب أميره ، فغيَّر اسمه ، الى أشواك يصوِّبها الى ذلك النظم الرديء ... .
فقاطعه صديقنا الصحفي الذي كان قد وصل ، وسمع ماقيل : أنا جئت ، لأدوِّن ماسوف تبحثونه ، وأسأل كلاً منكم سؤالاً واحداً هو : كيف تصبح لغتنا العربية لغة الحياة ولغة عالمية ، كما كانت في زمن ازدهار الحضارة العربية ، مثلها مثل رصيفاتها اللغات الخمس الرسمية المعمول بها في المنظمة الدولية ، منذ العام ١٩٧٣ ؟ وقبل ذلك : مارأي العالم اللغوي ب" رصيفاتها " ؟ قال اللغوي ، ومعلم اللغة العربية : رصيفاتها كلمة عربية تؤدِّي المعنى الذي قصدته . وأنا أجيبك عن سؤالك ، منذ الاَن :
اللغة ظاهرة اجتماعية ثقافية ، مصدرقوتها هو قوة الشعب الذي يتكلمها ، فهي لاتتكلم ، وانما الناطق بها هو الذي يتكلم ، وعليه أن يجعلها لغة حياة ، فكثير من اللغات كانت ميتة ، واللغة العربية ليست منها ، وأحياها أبناؤها عندما غدوا منتجين . وغلبة اللغة ، كما يقول ابن خلدون ، بغلبة أهلها ، وهذا يعني أن نضعها في المقام الأول ، ونجعلها غالبة في أوطاننا ، بوصفها لغتنا الوطنية والقومية ، وأن ننتج بها ، ولانكتفي بالاستهلاك ، وأن نتخلص من " عقدة الخواجا " ، والنظرة الدونية اليها والى أنفسنا . حدث هذا في بداية السهرة ، أما ماحدث في السهرة ، فشرحه يطول ، كما نقول عن حكاياتنا ، وفي الختام : مااجاباتكم عن سؤال الصحفي ، فهو ينتظرها ، لينشرها في جريدة " الأيام "
د. عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص وروائي
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت