القصُّ وعناصره في رواية "طريق الشمس "، لعبد المجيد زراقط/جريدة الأيام الإلكترونية
Rabab Hakeem Sachet, Phd student of Arabic Language and Literature, Faculty of Literature, AlZahra University, Tehran, iran
عتبات الرواية
تتمثل عتبات هذه الرواية في تنويه وتصدير. يمكن تبيُّن وظيفة كلٍّ منهما ، بوصفه عنصر قصٍّ ، كما يأتي :
الصدق الروائي : جاء ، في التنويه أنَّ بناء الرواية متخيّل . وان كان يصدر عن مرجع واقعيّ ، فهو يغايره ، ليعادله ويكشفه من منظور روائيّ، لذا فإنَّ أيَّ تشابه بين وقائع الواقع الروائيّ في الرواية وشخصيّاتها ووقائع الواقع الحقيقيّ وشخصياته ، هو من قبيل الصدق الروائيّ . وهذا يعني أنَّ الصدق ، في هذه الرواية ، صدق روائيٌّ وليد تخيُّل أملاه منظور روائي ، راءٍ الى المرجع الواقعي ، كاشف له ، ناطقٌ بالدلالة .
طريق الشمس : هي طريق الحياة ، طريق عشق الحق والحبيب : يصدّر زراقط روايته بقول الإمام علي بن أبي طالب: "لا تستوحشوا طريق الحقّ لقلّة سالكيه"، وبقول جلال الدين الرومي: "حين تُقرّر أن تبدأ تظهر الطريق"، وبقول جبران خليل جبران خليل جبران : "لا يبلغ المرء الفجر إلا من طريق الليل". وبحوار بين شخصيتي الرواية الرئيسيتين : كمال الساهر ومنى رشيد يفيد أنَّ شوقها وشوقه يساويان عشق طريق الشمس والحق والحبيب ، وهما يقرران المضيَّ فيها . هذا التصدير يشكل فضاء الدلالة ، ويمثل دالاًّ على المنظور الروائي الذي رأى منه الروائي الى عالمه ، وشكَّل عالم روايته .
حكاية الرواية
حكاية هذه الرواية مأخوذة من وقائع الحياة المعيشة في قرية من قرى لبنان الجنوبي الحدودية ، وتجري أحداثها بين هذه القرية والعاصمة اللبنانية بيروت ، في اَونة من الزمن عرف فيها لبنان ثنائية الازدهار في بيروت والمناطق السياحية ، والحرمان في المناطق الأخرى ، كما عرف الصراع السياسي في شقيه : الأول سعي الحركة الوطنية الى التغيير ، والثاني سعي الفصائل الفلسطينية الى مقاومة محتل وطنها . في سياق هذا الواقع المعقَّد تجري قصة حبٍّ بين المدرِّسين في مدرسة القرية الرسمية : وهما كمال ومنى المنتميان الى طائفتين مختلفتين. يجمعهما الحب، واختيار طريق الشمس، أي طريق الحياة ... ، كما يقولان . يسعي الحبيبان في طريقهما : طريق الحب ، والتغيير والمقاومة ، تساعدهما شخصيات ، وتناوئهما شخصيات أخرى ، ويبدو أنَّ طريق الحق والعشق ، في الرواية ، لم تكن مفروشة بالياسمين أو بالرياحين، بل كانت هناك مصاعب ومشقات وآلام وخيانة، تعرّض الحبيبان لمشكلات كثيرة ، من عدة قوى : أولاها الإقطاع السياسي ، وثانيتها الفساد الدائر في بنية الحكومة اللبنانية ، وخصوصًا في المدرسة التي كانا يعملان فيها، وثالثتها المخابرات العسكرية ، ورابعتها اعتداءات العدو الاسرائيلي ومؤامرات عملائه ، ومنهم سرحان ذيب ، وهو يمثل شخصية عميل العدو في الرواية .
طريقان
في الرواية طريقان :
طريق الشّمس
الطريق الأول يسلكه المدرّسون كمال الساهر وسميح الصافي ومنى رشيد وآخرون.
يمثّل هؤلاء مجموعة من القيم الريفية والأخلاقية والثورية الجميلة، ولكلٍّ منهم صفاته التي تتقاطع مع صفات الآخر، بشكل أو بآخر، وهي صفات تظهّر من خلال شبكة علاقات، ينحازون فيها إلى أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم، فيجتمعون على الصداقة والحب والتفاني في العمل والوعي السياسي والتضامن الاجتماعي والانتماء الوطني ورفض الإقطاع ومحاربة الفساد ومقاومة العدو.
طريق الظلام
الطريق الثاني يسلكه مدير المدرسة والناظر والمدرّس سرحان ذيب وآخرون. ويمثّلون القيم السلبية في القرية، وينخرطون في سعيٍ مناوئ لقوى المقاومة والتغيير ، ولا يتورّعون عن التربّص بالآخر وتدبير المكائد له والارتهان للبيك وممارسة الفساد وتزوير الوقائع وتحريف الحقائق، وإطلاق الشائعات والتعامل مع المخابرات والعمالة للعدو، ويدفعون ثمن أعمالهم بشكل أو بآخر . لذلك، قبل أن يعود كمال إلى المدرسة تسبقه الشائعات ومحاولة تشويه صورته من المدير والناظر، وحين يعود يعمل هؤلاء على ايذائه في مختلف المجالات.
بناء الرواية
تتخذ الرواية شكل أوراق يكتبها كمال ومنى ، ويودعها كمال عند صديقه سميح الصافي ، ليضيف اليها هذا مايعرفه ، فيفعل ، فيكتمل البناء الروائي .
تبدأ الرواية من حدث معرفة كمال ببدء الاجتياح الاسرائيلي للجنوب اللبناني ، وخروج خطيبته منى من قريتها الجنوبية الى بيروت ، فيخرج من منزله المعدِّ لإقامته هو ومنى بعد أن يتزوجا ، الى النادي ، فالوادي ، للتشاور مع "الشباب " والاستعداد لمقاومة العدو المحتل . يُقطع السرد هنا . ويعود القص الى الماضي ، الى مجيء كمال ليدرس في مدرسة القرية وتعرُّفه الى منى . ويمضي القص ، في سياق متكسر، الى بدء المقاومة ، واعلان موعد عقد قران الحبيبين في بيروت . وهكذا تتشكل بنية روائية دائرية يتكسر فيها الزمن ويتقطع .
الشخصيات
الشخصيات رئيسية وأساسية وثانوية
الشخصيات الرئيسية
كمال الساهر ومنى رشيد هما شخصيتان رئيسيتان في الرواية . هو مسلم ، وهي مسيحية . يجمعهما الحب ، واختيار طريق الشمس . يأتي كل منهما من تجارب عيش طوَّرت شخصيته ، وأوصلته الى اتخاذ قرار المضي في طريق الحق ، وان قلّ سالكوه ، والى الاقتناع بأن الفجر اَتٍ ، وان طال الليل .
سميح صافي أستاذ كمال ، وزميله وصديقه ، ورفيق نضال . يجمع بين التدريس في المدرسة والعمل في الأرض، يحتضن كمال ويزوّده بالكتب التي تصقل وعيه السياسي، ويحفظ أوراقه وأسراره ، ويتصدّى لكبير العملاء في القرية، الزميل السابق في المدرسة سرحان ديب.
منى رشيد، المدرّسة المسيحية ، من القرية المجاورة، تنشأ في أسرة علمانية، تتفانى في عملها، وتتخطّى الاعتبارات الطائفية الضيّقة، وتنخرط في علاقة حب مع زميلها كمال الساهر المسلم، فيحرّرها الحب من تجربة قاسية عاشتها، ويفتح علاقتهما على الارتباط المقدّس، لا سيّما أن لديهما الكثير من المبادئ المشتركة .
في الطريق الاَخر ، تنشط شخصية رئيسية هي شخصية سرحان ذيب . مدرس فناظر ، فمدير ، ويتكشف عن فاسد في التعليم ، وفي ادارة المدرسة ، وعن عميل للمخابرات ، ثم للعدو المحتل الذي يعينه حاكماً للقرية .
الشخصيات الأساسية
كثيرة هذه الشخصيات ، منها : أسرتا كمال ومنى، والمدرّسان أسعد وريم، والشيخ الضرير علي الحاج يوسف، والوجيه أبو محمود، والحرفي أبو شريف، والمغترب أبو حسين، وابراهيم وحسان، وسهام، والمفتش التربوي والتلاميذ، والمدير. ولكل دوره الفاعل في الرواية .
الشخصيات الثانوية
وهي شخصيات كثيرة تؤدي أدواراً ثانوية في الرواية . اللافت ، في هذه الرواية ، أنَّ لكل شخصية موقعها الذي تؤدي منه دورها الفاعل ، سواء كانت شخصية رئيسية أم أساسية أم ثانوية ، فهي تشكل نظاماً متماسكاً ، لكل شخصية فيه موقعها ودورها
في الدلالة
يمكن للقارئ أن يتبين دلالة واضحة مفادها : انَّ هذه الرواية تؤكد أن المقاومة ، في لبنان الجنوبي ( جبل عامل تاريخياً ) ليست طارئة ، وانما هي مقاومة تاريخية ، تثوي جذوتها في ذات الانسان الواعي واقعه ، والساعي في طريق الحق ، لايستوحشه ، وان قلَّ سالكوه ، كما قال امام المتقين ، علي بن أبي طالب ، وهذا مايدل عليه قول الراوي في هذه الرواية: "حفر أجدادنا وآباؤنا الصخر ، ليبقوا في هذه البلاد ويعمروها ويحموها. وعلينا، نحن الواعين أحوال واقعنا، أن نواصل طريقهم...، طريق الحياة، طريق الشمس، لمقاومة عدوّ الشمس". وبذلك، تدلّ طريق الشمس، في العنوان والمتن ، على طريق الأجداد والآباء والحياة ومقاومة كل مايعوِّق سعي الانسان الى تحقيق ذات والعيش سعيداً فرحاً .
رباب حكيم ساجت. كلية الآداب. جامعة الزهراء-طهران
- علامات:
- مجتمع