28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين | نقد أدبي ترويجي - 2 /جريدة الأيام الإلكترونية .

مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين | نقد أدبي ترويجي - 2 /جريدة الأيام الإلكترونية . عبد المجيد زراقط:
عرَّفنا النقد الأدبي الترويجي ، في المقالة السابقة ، بأنَّه النقد الذي يرافق النص الأدبي ، ليقدِّمه للمتلقي ، فيعرِّفه به ، ويميِّزه ، ويبيِّن خصائصه ، ويغري بتلقِّيه في ضوء معرفة نقدية ... .
وان كنَّا قد قدَّمنا ، في المقالة السابقة ، نماذج من هذا النقد رافقت احدى الروايات ، فإننا نقدِّم ، في هذه المقالة ، أنموذجين من هذا النقد يرافقان كتاب يتضمَّن مجموعة نصوص أدبية هي بحاجة ماسة الى أن تُقدَّم بها معرفة للقارئ ؛ ذلك أنها كتابات جديدة ، تنتمي الى مايُكتب ، في هذه الأيام ، من كتابات متحرِّرة من الوزن والقافية والايقاع ، أيِّ وزن وايقاع ، وليس العروضيَّ فحسب .
يسمِّي هؤلاء الكتَّاب كتاباتهم شعراً وقصائد نثر ، يؤيِّدهم في ذلك شعراء ونقاد ، ويعارضهم شعراء ونقاد اَخرون ، يرون أنَّ هذه الكتابات لاتعدو كونها ، ان توافرت فيها خصائص الأدب ، نثراً أدبياً .
واذ تشهد الحياة الأدبية ، في هذه الأيام ، غزارة في نشر هذه الكتابات ، في مؤلَّفات ورقية و" ألكترونية " . وعلى صفحات كثيرة من المواقع والدوريَّات ، واذ يسود النقد التبجيلي الذي يجعل كل من كتب عدة نصوص من هذه الكتابات شاعراً كبيراً ، واذ يضيق صدر هذا " الشاعر / ة الكبير " بالنقد الموضوعي ، ويخاصم الناقد الذي لايقرُّ بذلك ، رأينا أن نقرأ أنموذجين من النقد الذي رافق مجموعة من نصوص هذه الكتابات . أولهما مقدمة كتبها أحد كتاب هذه النصوص المعروفين ، ويشير اليه مريدوه ب" المعلم " ، واليه ، بهذه الصفة ، أُهديت هذه المجموعة ، وثانيهما نص كتبه ناقد ، يكتب هذا النوع من النصوص .
يعرب " المعلم " ، في مقدمته عما يشعر به لدى قراءة الكتاب ، ولا يصف الكتاب ، فيبدأ بالقول : " يشعر قارئ فلانة بخفة قلَّما تُتاح لقارئ الشعر ، فهو يقرأ كما يتمشى ، ولا يصادف في طريقه ، الا ماتألفه عيناه وما يشبهه ، أو هو ، على الأقل في دنياه " .
يُلفت ، في هذا القول ، أوَّلاً ، مالم يقله " المعلم " ، فلم النص على قراءة الكاتبة ، وليس على الكتابة ، وعلى نوع هذه الكتابة التي يقرأها ؟ ويُلفت ، ثانياً، الحكم العام والمبالغة فيه : الشعور الذي قلما يتاح لقارئ الشعر بأل التعريف ، ويُلفت ، ثالثاً ، استخدام لغة نقدية غير محددة ، وتحتاج الى تأويل ، كأنه بذلك لايمتلك اللغة النقدية المختصة ، دقيقة الأداء ، أو كأنه "يهرب " من استخدامها ، مجاملةً لمريدة عدَّته " المعلم " . يفيد القول ، كما يبدو ، أن الميزة الأساس ، في هذه الكتابة ، هي السهولة الممتعة ك " التمشي " ، وألفة الأشياء والكائنات التي تراها عينا المتمشي في دنياه . غير أنه لا يلبث أن يقول مايناقض، هذا الشعور ، فنقرأ : " انه – أي مايقرأه كما يتمشى – في استرسال المحكي ، لكنه في الوقت ذاته ( نفسه ) ، تغريب المحكي وانسحاره " ، ونقرأ كذلك : "... انها العواطف الأولى ، البدائية البرية ، وتخرج بدون ( من دون ) جهد ، وتنتظم بدون ( من دون ) تقصُّد أو تعب " .
الأسئلة التي تثيرها أقوال " المعلم " كثيرة ، منها : هل تغريب المحكي وانسحاره يُشعر بخفة التمشي ، وبمصادفة الأليف ؟ وهل القيام بفعلي " التغريب " و" الانسحار " يتم من دون قصد وجهد وتعب ؟ قبل أن نجيب عن هذين السؤالين ، نقرأ أنموذجاً من هذه الكتابات ، لنرى ان كانت تأتي تلقائية من دون قصد أو جهد أو تعب . جاء في الكتاب ، في وصف " المعلم " نفسه المُهدى اليه الكتاب : " ... ، وهو يسجل مايمرله ( به ) / على قصاصات ورق في رأسه / يدوِّنها كل صباح "
السؤال الذي يُطرح هنا هو : هل تسجيل المرء مايمرُّ به على قصاصات ورق في رأسه ، من المحكي والمألوف ؟ وهل تأتي هذه الصورة الغرائبية من دون قصد أو جهد وتعب ؟ وهل يتلقاها القارئ كما يتمشى ؟ لم ينطق " المعلم " بخطاب انشائي متناقض فحسب ، وانما لم يقدم معرفة بالكتاب ، ولا بهذا النوع من الكتابة ، وكل مافعله هو أنه وصف شعوراً تولِّده قراءة هذا الكتاب أو ذاك بكلام انشائي لايؤدِّي الوظيفة المنوطة به .
هذا الكلام الانشائي العام يتكرر في مقالة عن هذا الكتاب ، للناقد الذي أشرنا اليه اَنفاً ، جاء فيها : " انَّ لغة هذا الكتاب أكثر أناقة ونقاء " ، و" انَّ صوره مشيَّدة لابحرص ( ! ) ، حيث تهتم بالتقاط حركة الخارج لترسم مشهديَّة أكثر عمقاً ، وهي أكثر انتباها للتفاصيل ، فتلتقطها بعين بصيرة ، وتحيكها ( تحوكها ) لتخلق قصيدتها ، قصيدة درامية عالية الوضوح .... " .
هذا الكلام عام قد يصدق على هذا النص أو ذاك ،اضافة الى أن لغته مأخوذة من لغة الأزياء : " أناقة " ، والأخلاق :" نقاء " ، والعمارة : " مشيَّدة " ، مايجعلها غير مختصة ، وغير محَّددة وتفتقر الى دقة الدلالة ، أو الى الدلالة على خصائص النص ، فماذا تفهم من " لغة أكثر أناقة ونقاء " مثلاً ؟ واللافت تكرار أفعل التفضيل ، وعدم اكمال جملته عدة مرات ، والمفروض أن يعرف القارئ أكثر أناقة... وعمقاً وانتباهاً ... من أي شيء اَخر . والطريف النص على " درامية " القصيدة ووضوحها ، فأين هي هذه الدرامية في كل ما سيق من أوصاف عامة لاتخلو من تناقض ؟ كما لايفوتنا ملاحظة هذا المصطلح " عالية الوضوح " ، فهل هناك قصائد " واطية الوضوح " .
وان يكن هذا الناقد يؤيد ماذهب اليه "المعلم " ، في نهاية مقالته ، فهل " التغريب " يكون عالي الوضوح ؟
السؤال الذي يطرح ، هنا ، هو : هل قدَّم هذا النقد المرافق لهذا الكتاب معرفة نقدية به ، بمعنى النقد الذي يميِّز النص ويتبيَّن خصائصه ؟ ان تكت الاجابة : لا ، فنحن ، اذا ، ازاء مشكلة كبرى تتمثل في غزارة انتاج نصوص جديدة ، تُنشر ، وتُسوَّق ، ويواكبها نقد ترويجي تبجيلي ، لايقدِّم معرفة نقدية ، ولا يخلِّص الأدب الجديد الجيد من الرديء ، ويبلور خصائصه .
والمشكلة الأكبر تتمثل في عدم قبول كثير من كتَّاب هذا النوع من الكتابات للنقد ، فصاحبة هذا الكتاب و" المعلم " سلَّطا عليَّ صحفياً ، من بلاد الكنانة ، ليشتمني ، لأني كتبت نقداً موضوعياً عن كتابها وعن نقد المعلم له .
الدكتور عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص وروائي