كلمة السر أُعطيت، فإلى أين؟
بقلم د. جيرار ديب
جرت العادة أن تعطى كلمة السرّ، قبل انطلاق أي حرب، لتكون مؤشر البداية. فهل أعطتها السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا، لوليد بيك، في زيارته الأخيرة إلى المختارة؟ ونقلها الأخير، بدوره عبر الوزير السابق، أكرم شهيب، إلى معراب؟ وهل لعودة الرئيس، سعد الحريري، المفاجئة إلى لبنان من رابط؟ وماذا عن تحرّك كل من، حركة أمل والمردة، المعارض والمهدد بالاستقالة من الحكومة؟ أيدخل في خانة عرقلة عمل الحكومة من الداخل؟ أم تدخل من باب الحرب على كرسي الرئاسة للعهد المقبل، بين الوريز باسيل وسليمان؟
بالعودة إلى الوراء قليلًا، تحديدًا إلى وقت تشكيل الحكومة. بدأ توجه القوى، التي شكلت السلطة على مدى أكثر من ثلاثين عامًا، لا سيما، القوات والاشتراكي والمستقبل، يأخذ منحى المعارضة. إضافة إلى رفض المشاركة فيها، وركوب موجة حراك 17 تشرين، في نيّة واضحة لاستغلال ما يحدث على الأرض، وتشكيل ضعط الكبير على الحزب والعهد معًا.
الملفت، ما إن شكلت الحكومة، حتى ارتفع التصويب على شخص الرئيس دياب بأنه مرشح الحزب. الهدف هو محاولة لتطويقه سياسيًا- وداخليًا. بدت الحملات الداخلية لاستهداف الحكومة لا على أدائها، ولا على طريقة اختيار وزرائها، بل بسميتها بأنها حكومة حزب الله- إيران في لبنان، لتطويقها خارجيًا. أتى هذا، بالتزامن مع إعلان الحكومة البريطانية، وضع حزب الله بشقيه، السياسي والعسكري على لائحة الإرهاب. كذلك، لا ننسى الهجوم المستمر من قبل الإدارة الأميركية، على الحزب عبر عقوبات اقتصادية، لا هوادة فيها.
حملت حكومة، الرئيس حسان دياب، عناوين إصلاحية كبيرة، وثقيلة. لا سيما، منها استعادت الأموال المنهوبة، فتقاطع هذا مع قرار رئيس البلاد الذي دعمها، ليشكلا سويًا سلطة تنفيذية متناسقة. فمن التنقيب عن النفط، إلى المعركة الناجحة بوجه فيروس كورونا، وفرض حالة التعبئة العامة في البلاد. بينما، نرى في المقلب الآخر، هناك جبهة تسمي نفسها معارضة، تتشكل في داخل الحكومة، من أحزاب مارست السلطة في الطول والعرض، دون حسيب أو رقيب. وخارجًا معارضة، عربية ودولية، تشكل ضغطًا قويًا، وسيزداد قسوةً مع الوقت.
لا يكفي أنّ الحكومة حملت على عاتقها تصحيح أخطائهم، كما صرّح رئيسها في أكثر من مناسبة. إلّا أنّ الغريب، أن تجابه معارضتهم لها، حيث يسعون لتشكيل جبهة لإسقاط العهد. خصوصًا، بعدما فتح النار الشيخ سعد، متحدثًا عن رئيس ورئيس ظل، في إشارة واضحة على سيطرة الوزير باسيل على قرارات الدولة اللبنانية. قابله المواقف العالية النبرة للوزير جنبلاط وفريقه السياسي بالتصويب مباشرة على العهد، وداعم العهد أي الحزب.
إن الاصرار على تسميتها بحكومة حزب الله، أثارة شهية الدول العربية والدولية لمحاصرتها. بعدما أطلق أكثر من مرة، السيد حسن، نداء التوجه شرقًا، ما فسّر بالدعوة الصريحة لفكّ ارتباط نظامنا الإقتصادي عن الليبرالية العالمية. الأمر الذي ترفضه بقوة الإدارة الأميركية، ولو اضطرها هذا لخنق لبنان وشعبه.
لا يوفّر الفريق المعارض للعهد فرصةً إلا ويحاول تسجيل النقاط لزعزعته. فلم يكد يرفع وزير المالية، غازي وزنة، مسودة الخطة الإقتصادية، وهو المحسوب على حركة أمل، إلى الحكومة لدراستها ومناقشتها، لاسيما البند المتعلق بأموال المودعين. حتى بدأت السهام، توجه إليها من القريب الرئيس البري، والبعيد، من المؤيد والمعارض. الكل أجمع على رفض هذا المشروع، وأعلنوا أنهم سيحاربوه بقوة، وأصرّوا على رفضه تحت عنوان حماية المودعين الصغار.
اتخذت المواقف البروباغاندية التي أطلقت من هنا، وهناك رفضًا للهيركات. إلا أنّنا جميعنا يدرك أنّ الوصول إلى هذه الأزمة ليست وليدة الصدفة، إذ هي تراكمات مستمرة عبر سياسات اعتمدت، سميّت بالهندسات المالية التي كان يضعها المصرف المركزي لا سيما بعد ل 2015.
إنّ ما يجمع الداخل والخارج بوجه الحكومة، هو تقاطع المصالح. فمن جهة هم حلفاء، فلا ننسى الدور الأميركي والعربي في تشكيل ثورة 14 شباط. ومن جهة ثانية، استعادة المال المنهوب، أو فرض الهيركات على 2% من الودائع، فهذا من جهة سيؤثر حكمًا على مدخراتهم. ومن جهة ثانية، قد يحسن البلد نقديًا، واقتصاديًا ما سيفشل سياسة اغراق البلد بالدين الخارجي كي نصل به إلى الإفلاس وبعدها لفرض الشروط عليه.
إذًا، بين التصاريح النارية للعهد، ورئيس الحكومة، موجهة أصابع الإتهام إلى الفريق المعارض. وبين هذا الفريق، الذي تلقى على ما يبدو كلمة السرّ، لفرع الصوت عاليًا، لتعطيل الحكومة، وتقليص نفوذ الحرب معًا. يقع البلد بين خصمين يعملان على تسجيل النقاط، في ظلّ وباء يلفّ العالم، وينذر بانهيارات اقتصادية في دول كثيرة، ولبنان قد يكون واحدة منها.
أخيرًا، سيشتدّ النزاع بين المتخاصمين، طالما لم يزل العهد مصرًا على المحاسبة. في حين يرى الأخصام، أن اقفال الملفات على مبدأ عفا الله عن ماضى هو الخيار الأفضل، وإلا الفوضى هي البديل. وطلما لم تتضّح المعركة الخارجية لرسم الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، بل نحن الآن في مرحلة الإنتظار، فإلى أين، بات مفتوحًا على كل الخيارات.
المصدر :الدكتور جيرار ديب. أستاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية
* توضيح :الآراء الواردة في مقال الدكتور ديب تعبر عن رأيه، ولا تعبر بالضرورة عن رأي جريدة الأيام الإلكترونية.
- علامات:
- محليات
