د. جيرار ديب : صراع الحكومة بين الشكل والمضمون.
لم يسطع أقطاب الفريق المشكِل للحكومة، ضبط صراعاته داخل أروقة مجالسها. بل، بدأت تطفو على السطح، خصوصًا بين الرئاستين الأولى والثانية. فهي، على ما يبدو، ليست رمانة، بل قلوب مليانة، ونية باتت واضحة في أخذ قرار المواجهة.
الصراع بين الرئاستين، بدأ منذ قضية ترقيات الضباط التي عرفت، بدورة عون، عندما رفض وزير المالية - مستشار الرئيس نبيه بري- علي حسن خليل إمضائها. وإذا، عدنا بالزمن قليلًا إلى الوراء، نجد الخلاف بينهما، عندما رفض الرئيس نبيه بري تسمية العماد عون للرئاسة، وقد جسّد هذا الورقة البيضاء في صندوق الإقتراع. وبعده، فرض القبول بوزيرين لسليمان فرنجية من حصة المسيحيين رغم كتلته النيابية التي تضمّ فقط ثلاثة نواب. في الشكل، هو صراع الحصص، عندما عبّر الرئيس نبيه بري، عن انزعاجه من الآلية التي اعتمدت في تعيينات مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي في جلسة الخميس الماضي. إضافة إلى الخلاف حول التعيينات القضائية، ما دفع بتأجيلها إلى جلسة لاحقة قد لا تنعقد. وأيضًا ينسجم هذا، مع موقف الرئيس بري بالإنسحاب من الحكومة، إذا لم يستجب رئيسها لمطلبه عودة المغتربيين.
هذا، وتأتي مواقف الثلاثي الحريري وجنبلاط وجعجع، الرافض للخطة الإقتصادية التي تقترحها الحكومة، معارضة، ومنددة باسقاط المشروع، ليس فقط بالمجلس النيابي، بل في الشارع إن اضطّر الأمر. لقد أتت معارضتهم تحت غطاء رفض ال hair cut لودائع المودعين. فالجميع يعلم، أنّ ما نجنيه اليوم، هو نتيجة سياسات هندساتهم المالية على مدى سنين. فالموضوع موجه إذً، ضدّ الحكومة ومن خلفها، وليس رحمة بالناس ومدخراتهم.
إذًأ، ليس صراعا حول الحقوق والحصص بين مكونات الحكومة. لكنّ في المضمون، يأخذ الصراع أبعادًا، تتعدى موضوع الحكومة وتعييناتها، لتصب في الصراع القائم والمستمر بين الرئاستين الأولى والثانية، والتي قد تشتدّ وطيسًا كلما اقترب موعد الإنتخابات الرئاسية.
يتمحور الصراع بين الرئاسة الأولى والثانية حول نقاط كثيرة، رغم محاولة حزب الله لعب دور أبو ملحم بينهما كلما اشتدّ الصدام. فحادثة تسريب فيديو للوزير جبران باسيل حول الرئيس بري كانت واضحة، من خلال ترسيخ الشرخ بين الفريقين. حيث لم تحلّ إلا بعد تدخل الحزب مباشرة، وبحكمة الرئيس عون في تقريب وجهات النظر بطريقة لا يموت الديب ولا يفنى الغنم.
موضوع الخلاف جوهري بين الرئاستين، حول من سيكون الرئيس القادم. لاسيما وأن العهد بدأ يعيش في القسم الثاني من ولايته، التي تفرض على كلّ مرشح البدء في التحضير عبر شبك العلاقات المحلية بين الأطراف الفاعلة. إذ في هذه المرحلة تبدأ معركة المتحمسين الطامحين للوصول إلى كرسي الرئاسة، لهذا تكثر المناكفات والعرقلات كي يتمّ حرق أسماء المرشحين قبل المرحلة الهائية، علّها تنحصر بين إثنين لا أكثر.
الطرفان يستغلان حاليًا انشغال الدول المتدخلة في الشأن الداخلي، بسبب أزمة كورونا التي على ما يبدو أرهقت نظامها الطبي، ووضعت المسوؤلين أمام سلسلة من المساءلات. اذُا، انشغال عالمي بالوباء، دفع ببعض افرقاء الداخل لضرب ضربتهم علّها تكون قاضية، على الصعيدين:
الأول، عرقلة مسيرة الحكومة، كي لا تأخذ ثقة اللبنانيين، الأمر الذي يزيد من فرص نجاحها. لا سيما بعد بروز دور وزير الصحة فيها، إذ لأول مرة يضع لبنان على لائحة الدول الأكثر تقدمًا في الحدّ من انتشار فيروس كورونا المستجد. فيعرقلون أداء وزراء الحزب بشكل خاص، وأداء الحكومة بشكل عامة كي يكون مبررًا لعودة سعد كالمنقذ من الأزمات، وحليف الرئيس بري. الثاني، يعملون على إبعاد مرشح العهد الأوحد والوحيد إلى الرئاسة وهو الوزير جبران باسيل، ودعم حظوظ الفرص أمام سليمان فرنجية المرشح الأوحد للرئيس بري.
حسابات الحقل ليس بالضرورة تتطابق مع حسابات البيدر. فالوزير فرنجية بعد إن نام على كلمة فخامة الرئيس استيقظ ليجد في القصر الرئيس عون. فالحكيم لا يخفي مسعاه للوصول إلى سدّة الرئاسة، فهو وفي كل اطلالاته الإعلامية يسوق نفسه كمرشح الجمهورية المنقذ. هذا، عدا عن أن جعجع لن يصوّت لفرنجية، لاعتبارات كثيرة أبرزها الزعامة المسيحية، فهو يسعى لإغلاق كافة البيوت السياسية ذات التاريخ الطويل، بدءًا من الأحرار، والكتلة الوطنية، والكتائب، وجمهور العماد عون. إذًا صحيح أن المصيبة جمعتهم، ولكن لا يعني وحدّتهم في اصطافافات مهزوزة تسقط عند أول نفحة هواء.
* استاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية
*المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي جريدة الأيام.
المصدر : الدكتور جيرار ديب.
- علامات:
- محليات
