مع عبد المجيد زراقط في النقد كل اثنين | نقد أدبي ترويجي - 1 /جريدة الأيام الإلكترونية
النقد الأدبي الترويجي هو النقد الأدبي الذي يروِّج للنصِّ الأدبي ، ومنه مايرافق هذا النص ، في المقدِّمة ، وعلى صفحة الغلاف الأخيرة . وفي الغالب يطلب ، مؤلِّف الكتاب أو صاحب دار النشر ، من ناقد ، أو أديب ، ذي مكانة مرموقة في دنيا الأدب ، أن يكتب مقدمة أو كلمة ، تعرِّف بالمؤلَّف ، وتميِّزه ، وتبيِّن خصائصه ، وتكون وسيطاً بينه وبين القارئ ... .
يكثر هذا النوع من النقد ، في هذه الأيام ، ولعله من المفيد أن نجري قراءة في نماذج منه ، من دون أن نزعم أنها تمثل جميع مايُكتب منه ، وانما هي نماذج دالَّة .
ويهمنا أن نذكر أننا لن نسمِّي لا الكتَّاب ولا النقَّاد ؛ ونكتفي بالقول : انَّ كلًّا من الناقدين اللذين سنقتبس من نقدهما أستاذ جامعي مختص بتاريخ الأدب ونقده ، ويحمل لقب أستاذ دكتور ، أو " بروفسور " ، ويشرف على اعداد رسائل ماستر وأطاريح دكتوراه ، ويلقي محاضرات في المعهد العالي للدكتوراه ، فضلاً عن تدريسه في صفوف الاجازة والماستر . نفعل ذلك ، لتكون القراءة في نماذج تمثل واقعاً نقدياً متداولاً .
نقرأعلى صفحة الغلاف الأخيرة لإحدى الروايات مايأتي :
" ليست هذه الرواية سرداً للأحداث ، بل هي عمل فني ، مشحون بالحقائق والحكم والاَراء الوطنية والقيم والرؤى والتطلعات ، وهي تجسيد لمقاومة الأنثى اللبنانية التي تسلَّحت بنور المقاومة ، وجعلت من فعلها خياراً وطنياً وانسانياً ، وأكدت مقولة أن المرأة والرجل انسان " .
٢ . " فكانت أدبيتها مرتبطة برؤية المرأة الى العالم المرجعي التي نقلتها الى الرواية ، متشكلاً في ضوء خصوصية همومها واهتماماتها، بوصفها انثى " .
يمكن لقراءة هذين الاقتباسين أن تلاحظ مايأتي :
١ . ينفي الاقتباس الأول أن تكون " هذه الرواية سرداً للأحداث " ، وهذا حكم يُستغرب صدوره عن مختصٍّ بالنقد الأدبي ، فالرواية نوع قصصي ، والسرد هو الذي يعطي هذا النوع هويته . صحيح أن نسيج النص الروائي يتشكل من سرد ووصف وحوار ذاتي وثنائي وتعليق راوٍ ... ، لكن ليكون هذا النص نصاً قصصياً روائياً ، ينبغي أن يكون السرد هو العنصر المهيمن فيه ، وان لم يكن كذلك ، فالنص لايُصنَّف قصةّ ، ولا روايةً ، وطالما كان الأمر هكذا ، فما هو نوع هذا النص ؟
٢. يجيب الاقتباس : " بل هي عمل فني ... " . بل ، كما هو معروف ، تنفي ماقبلها ، وتثبت مابعدها ، وهذا يؤكد الحكم السابق . والسؤال الذي يُطرح ، هنا ، هو : لمَ نفيُ أن يكون السرد عملاً فنيَّاً ، وألا يمكن أن يكون السرد عملاً فنياً ؟
نجيب : السرد الأدبي عملٌ فني مثله مثل أي عمل أدبي اَخر . وان يكن هذا النص ليس سرداً ، بل عمل فني ، وان كنا لانوافق على اخراج السرد من دائرة العمل الفني ، فإننا نسأل : ماهو نوع هذا العمل الفني ؟
٣. يجيب الاقتباس : " عمل فني مشحون بالحقائق ... " . نتوقف ازاء مصطلح " مشحون " ، وهو مصطلح يعني تراكم العناصر ، لاانتظامها في نسق / نظام . و" مشحون " بالعناصر يفيد تجميع العناصر في خليط غير متجانس . هذا " الشحن " للعناصر ينفي عن أي عمل ، أيَّاً يكن ، صفة الفني ، فكيف بالنص الأدبي !؟
فالفني نظام / نسق من العلاقات بين العناصر يتخذ كل عنصر من عناصره موقعاً فيه ، ليؤدي دوراً في انتاج فاعلية النص الجمالية الدلالية . السؤال الذي يُطرح هنا هو : ماهي هذه العناصر التي " شُحنت " ، وشكلت هذا العمل الفني ؟
٤. يجيب الاقتباس : " بالحقائق والحكم ... . " . انَّ هذه العناصر المشحونة كثيرة ومتنوعة ، وكلٌّ منها ينتمي الى نوع من الكلام ، فالحقائق تنتمي للعلم ، والحكَم تنمي للفكر ، والاَراء الوطنية تنتمي للسياسة ، والقيم للأخلاق ، والرؤى والتطلعات للخطابة ، فهل هذا " الشحن " يمكن أن يشكل عملاً فنياً !؟ نجيب : يمكن أن يكون هذا " الشحن / الخليط " نوعاً من أنواع الكلام الأخرى ، " خطبةً " تعليمية تحريضية ، مثلاً ، وهذا مايدل عليه ماجاء في الاقتباس بعد تحديد نوع النص.
٥ .جاء ، في النص : " هي – أي الرواية – تجسيد لمقاومة الأنثى اللبنانية ... " . النص ، اذاً ، تجسيد لمقاومة " الأنثى..." . سنتوقف ، تالياً ، عند استخدام مصطلح " الأنثى " . فالنص ، اذاً ، هو خطاب مقاوم ل" أنثى " تسلَّحت بنور المقاومة ... .
٦. الاقتباسان يستخدمان مصطلح " الأنثى " لدى الكلام على المرأة ، وهذا كلام يصدر عن رؤية تختزل المرأة الى " الكائن البيولوجي " فحسب ، واللافت أن الاقتباس الثاني ، أكد هذا الاختزال نصاً ، فنقرأ فيه : " بوصفها أنثى " . والسؤال : كيف للمرأة التي تختزل ، في هذه الرؤية ، الى " أنثى " ، أن تؤكد " مقولة المرأة والرجل انسان " ؟ يبدو أنَّ هذه الرؤية تتصف بالاضطراب والتناقض ، فهي لاتميز بين المرأة والأنثى ، أو لاتزال تعدَّ المرأة أنثى فحسب .
٧. يحدِّد الاقتباس الثاني " أدبية " الرواية ، برؤية المرأة الى العالم المرجعي التي نقلتها الى الرواية . المعروف أن أدبية النص الأدبي ، والرواية نصٌّ أدبي ، تتمثل في بنيته الأدبية الكلية وخصائصها النوعية ، الناطقة برؤية الى العالم ، ومنه العالم المرجعي . ثم ان الأديب لاينقل الرؤية الى العالم المرجعي الى الرواية ، فالنقل مصطلح غير صحيح ، فالأديب ينتج / يبدع ، ولا ينقل ، كما أنه لاينقل الى الرواية ، فالرواية ليست وعاء يُنقل اليه ، ويُعبَّأ ، كما أنها لاتكون موجودة في أثناء عملية الانتاج / الابداع ، وانما تصبح موجودة بعد اكتمال هذه العملية .
أكتفي بذكر هذه الملاحظات ، وأترك للقارئ أن يرى مااذا كان هذا النقد الأدبي قد نهض بأداء مهمة تقديم معرفة نقدية بالنص ، فضلاً عن الترويج له .
الدكتور عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص وروائي
جريدة الأيام الإلكترونية. الصفحة الثقافية
- علامات:
- إقليمي ودولي