في النقد كل اثنين مع عبد المجيد زراقط | النقد الأدبي الصحفي/جريدة الأيام الإلكترونية
النقد الأدبي الصحفي ، نسبة الى صحيفة ، هو النقد الأدبي الذي يُنشر في الصحف غير المتخصِّصة ، يومية كانت أم أسبوعية أم شهرية ، أي الصحف التي تخصِّص صفحة ، أو صفحات ، ثقافية ، تختلف حجماً وأهمية من صحيفة الى أخرى ، مع العلم أنَّ بعض الصحف قلَّص المساحة المخصصة للثقافة ، وبعض اَخر حذا حذو التلفاز فألغاها ، وما يعوِّض هذا الفقد الثقافي أنَّ كثيراً من المواقع الألكترونية تفتح نوافذ واسعة للانتاج الثقافي . المفترض أن تواكب هذه الصفحات الانتاج الثقافي ، فتقدِّم الجديد منه ، مسلِّطة الأضواء عليه : اخباراً وتعريفاً وعرضاً ونقداً ... ، مايسهم في الخلوص الى نتائج ترصد الظواهر ، وتحدِّد الخصائص والاضافات ، وتبلور التيارات الأدبية ... .
نقول : المفترض أن تؤدِّي هذه الصفحات وظائفها الصحفية التي حدَّدناها ، أو احدى هذه الوظائف على أقل تقدير ، ولكن المفترض شيء والواقع شيء اَخر .
تفيد معاينة هذا الواقع ، في البدء ، أن معظم وسائل الاعلام ، وليس الصحافة فحسب ، تضع الثقافة ، ان اهتمت بها، في اَخر اهتماماتها ، وان اهتمت ، فهي تهتم بالرائج ، أو بما تراه هي رائجا لدى المتلقين . وان حدث وأُفسح ، في المجال لنقد كتاب صدر حديثاً ، فان " القيِّم " على الصفحة الثقافية يتصفحه عجلاً ، ويبقيه بين يديه دقائق ، ويتلفت حواليه يبحث عما أرفق بالكتاب ، فقد اعتاد أصحاب دور النشر وكثير من الكتَّاب على ارفاق كتابهم ، المرسل لوسيلة الاعلام ، بكلمة مطبوعة جاهزة للنشر تعرِّف بالكتاب ، وبصاحبه ، فان وجد " القيِّم " هذه الكلمة ، يضعها هي والكتاب جانباً ، وان لم يجدها ، يضع الكتاب جانباً ، أيضا ، ويعبر عن ضيقه بهذا الكتاب ، وناشره وصاحبه اللذين لايعرفان أصول التعامل ومبادئه .
واذ يعتدل في جلسته لاتخاذ القرار ، تحضر عوامل ، منها علاقاته بالكاتب وناشر الكتاب ... . وعندما تفضي هذه العوامل الى اتخاذ قرار بنشر خبر عن صدور الكتاب ، ينشر الكلمة المرفقة ، أو مقتطفات منها ، وان لم تكن كلمة مرفقة ، وكان للكتاب حظ من علاقات ، يسطر أسطراً مستقاة من المقدمة ، أو من الكلمة المكتوبة على صفحة الغلاف الأخيرة . وان كتب نقداً ، فهو ، في الغالب ، نقد انطباعي انشائي عام ، وفي مايأتي نقدم أنموذجاً منه :
" قصائد الكتاب تنبع من الذات ، من أغوار الذات التي يسمو بها الشاعر ، كما تسمو بها تشعبات الوجود الى وجدانية القلق الأعذب جراحاً ، والى مشاعر العقل النابض ، بتفلُّت متحرك ذكي ، غير أنها في المقابل تتخذ منحى واضحاً وصريحاً ، ولو تغلف بالرمز والايحاء ، ينبثق من قناعات شبه نهائية على صعيد المجتمع والفكر والانسان ... "
بعد أن نقرأ هذا النقد للكتاب ، نسأل : هل عرفنا شيئاً خاصاً به وعنه ، وعن قصائده وخصائصها ؟
نجيب : في ماقرأنا حشد لكلام انشائي عام ، وأوصاف مطلقة ، وأحكام سائبة ، تصدق ، أو لاتصدق ، على كل شعر وشاعر ، مثل : قصائد تنبع من الذات ، من أغوار الذات ... . ان ملايين القصائد ، أو جميع القصائد ، تنبع من أغوار الذات ، وتسمو بالشاعر ، ويسمو بها الشاعر في تشعبات الوجود الى وجدانية القلق الأعذب . ويبرز التناقض واضحا عندما لايدرك هذا الكاتب معاني عباراته المستهلكة ، فالشاعر القلق قلقا وجدانيا ، لاينطلق من قناعات " شبه نهائية " ، على مختلف الصعد .
ها النوع من النقد ، تضاف اليه سيادة النقد المجامل والنقد التبجيلي ، ماأدى الى تشكل ثقافة " المجاملة والتبجيل " ، وهي فرع من ثقافة الفساد السائدة على جميع المستويات ، وهي ثقافة أفضت الى أن لايقبل أحد ، ولو كان كاتباً ناشئاً، النقد ، فيخاصم من لايمدحه ، ولا يعلق على نصوصه : رائع ، مبدع عظيم ... . ولنا مع هذه الظاهرة : خصومة الناقد والأديب ، حديث طويل .
يبقى أن أذكر ، وللأمانة ، حادثة دالَّة جرت معي مؤخرا ، وهي : أرسلت روايتي الأخيرة : " طريق الشمس " الى صحيفتين : الأولى لاأتفق وتوجهها السياسي ، والثانية أتفق وتوجهها السياسي ، وكانت المفاجأة أن المحرر في الأولى أرسل لي مباركاً صدور الرواية ، ثم أرسلها الى ناقد محترف ، وكلفه بكتابة نقد لها ، وأن المحرر في الثانية ، لم يردّ على رسالتي ، وقال لصديق مشترك كلاماً لاأرغب في كتابته .
هذه الحادثة تفيد أنَّ التعميم خطأ ، وأنَّ علينا أن ندقّق في الفوارق بين وسائل الاعلام عندما نريد اصدار الأحكام
الدكتور عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد، قاص وروائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. الصفحة الثقافية
- علامات:
- إقليمي ودولي