في النقد كل اثنين مع عبد المجيد زراقط |النقد الأدبي التأثُّري-الانطباعي /جريدة الأيام الإلكترونية
يمكن القول : انَّ النقد التأثري / الانطباعي طريقة ذاتية حرَّة تنقل الى المتلقي مايولِّده النص الأدبي من أحاسيس، تبعاً للتأثر الاَني والمباشر به ، من دون تدخُّل عقلي أو منطقي يفسر ويعلل ، ويقنع ، والفاعل الأساس ، في ذلك ، هو الذوق الأدبي الذي تتفاوت وتتباين هويته ودربته ورهافته ... ، بين شخص واَخر ، مايعني تباين الأحكام الذوقية وتفاوتها التي تطلق على النص الواحد .
عرف النقد الأدبي هذا النوع من النقد منذ أن كان الأدب ، وبقي يُزاول طوال تاريخ الأدب ، ولا يزال متذوقو الشعر والنثر ، أياً يكن مستوى تذوقهم ، يصدرون أحكامهم الانطباعية ، الناتجة عن تأثرهم بالنص الأدبي الذي يتلقونه ، وسوف يظلون يفعلون ذلك مادام للأدب متلقون متذوقون .
كان النقد الأدبي العربي ، في نشأته ، شأنه ، في ذلك ، شأن أي نقد أدبي اَخر ، نقداً انطباعياً . وكانت تُعقد لهذا النقد جلسات في أسواق العرب في الجاهلية ، ومنها سوق عكاظ . ففي هذا السوق ، كانت تضرب للشاعر النابغة الذبياني خيمة ، ويأتيه الشعراء اليها ، وينشدونه الشعر ، فيحكم على شعرهم ، ويقارن بين شاعر واَخر ، ويصدر حكمه السريع بلغة محكمة الايجاز بليغة الأداء .
في احدى الجلسات ، أنشدت الخنساء النابغة ، ثم أنشده حسان بن ثابت ، فقال النابغة : " انك لشاعر ، وان اخت بني سليم لبكَّاءة " .
هذا حكم انطباعي وليد التذوق المدرب المرهف ، ولكنه ، في الوقت نفسه ، ينطق بمعرفة بمفهوم الشعر وخصائصه ؛ اذ انه يميز بين التعبير عن العاطفة / البكاء ، وبين الشعر / الفن ، غير أنَّه لايشرح ذلك .
ويحدث أن يحتج الشاعر على الحكم ، كما فعل حسان بن ثابت ، ذات مرة ، فقال له النابغة : " أنت لاتحسن أن تقول :
فانك كالليل الذي هو مدركي / وان خلت أن المنتأى عنك واسع " .
لم يستخدم النابغة الحجج العقلية ليقنع حسان ، وانما استخدم الشعر نفسه . وفي البيت الذي ذكره ، نلحظ وجود الجوهر الشعري ، وهو الصورة التي تمثل مدى رعب الشاعر من السلطان ، الذي تمثل في صورة الليل الرهيب ، الذي يشمل سلطانه الدنيا كلها .
يصدر النقد الانطباعي أحكاماً جزئية ، يعمِّم ولايفصل ، يقدِّم انطباعا كلِّياً من دون تفسير أو تعليل ، كما في قول الأخطل : جرير يغرف من بحر ، والفرزدق ينحت من صخر ، ولايخفى مافي هذا القول / الحكم من نفاذ الى أهم خصائص شعر الشاعرين .
ثم ، ومع تطور العلوم ، ومنها علم النقد الأدبي ، بمناهجه الكثيرة ، بقي النقد الأدبي حاضراً . ويرى كثير من النقاد الكبار ، ومنهم محمد مندور ( ١٩٠٧ – ١٩٦٥ ) ، أنَّ الذوق الأدبي المصقول المدرَّب أداة لايمكن الاستغناء عنها في أي عملية نقدية ؛ فهذه العملية ، كما يضيف ، تبدأ بقراءة أولى أداتها التذوق الأدبي المدرب المرهف ، فتكوِّن انطباعاً / فضاء ، يتم النقد المنهجي المفسِّر المعلِّل في ضوئه . وفي هذا الشأن ، كان الناقد الفرنسي غوستاف لانسون قد قال : نستخدم الذوق الأدبي الذي يقدم لنا الاحساس بجمال النص ، شريطة أن نتمكن من تحويل هذا الاحساس الى معرفة أدبية نقدية مقبولة من المتلقي ، مقنعة له .
ومن النقاد الانطباعيين العالميين نقاد وأدباء كبار ، مثل أناتول فرانس ( ١٨٤٤- ١٩٢٤ ) ، وجول لي ميتر ( ١٨٥٣ – ١٩١٤) ، و وأندريه جيد ( ١٨٦٩ – ١٩٥١ ) .
ويمكن القول : أن المذهب الانطباعي في الفن ، عموماً ، يرى أن كل معرفة يسبقها احساس بالعالم الخارجي هي تجربة شخصية ، وليست واقعاً موضوعياً .
والانطباعية L, impressionnisme مدرسة فنية ، ترى أن الفن ، وخصوصاً الرسم ، يقتنص / يسجل / يصوِّر الانطباعات التي يولِّدها موضوع ما ، وليس الموضوع نفسه ، في واقعه الموضوعي .
ويروى أن الرسامين الفرنسيين التقليديين رفضوا عرض لوحات رسامي هذه المدرسة ، فعرض كلود موني ، الرسام البارز في هذه المدرسة ، سنة ١٨٧٢ ، هو وعشرون فناناً اَخرين ، لوحاتهم في قاعة " الانتاج المرفوض Salon . des refuses . وتميزت هذه اللوحات بإهمال الخط ، وتصوير المساحة الملونة الناطقة بالإحساس الذ يولده الموضوع . وكان شعار هذه المدرسة : " أنا أحس اذاً ، فأنا موجود " ، في مقابل شعار ديكارت : " أن أفكر ، اذا ، فأنا ، موجود .
د. عبد المجيد زراقط. أكاديمي- ناقد - قاص وروائي
جريدة الأيام الإلكترونية. الصفحة الثقافية
- علامات:
- إقليمي ودولي