في النقد، كل اثنين، مع عبد المجيد زراقط | النقد الأدبي بين تقديسين/ جريدة الأيام الإلكترونية
يحلو لكثيرٍ من الأدباء والنُّقاد الحديث عن الشكل والمضمون، فيأخذ بعضهم على بعض النُّقاد العناية بمضمون النَّص الأدبي والوصول به إلى مرتبة التقديس .
ويأخذ بعضهم الآخر على نقَّاد آخرين العناية بشكل هذا النَّص والوصول به إلى مرتبة التقديس نفسها.
والواقع أنَّ كلا الاتجاهين ينظر إلى النَّص الأدبي من منظور غير قادر على إدراك حقيقته ؛ ذلك أنَّ هذا النَّص ليس مضموناً وشكلاً منفصلين، يمكن التحدُّث عن أحدهما بمعزل عن الآخر، وبوصفه كائناً مستقلاًّ، فالنَّصُّ كلٌّ متكامل، يتألَّف من مكوِّنات تنتظم في نظام علاقات ينطق بدلالة كاشفة.
ولنفرض أنَّ المكوِّنات المنتظمة في بناء كليِّ هي الشَّكل وأنَّ الدَّلالة هي المضمون، فالمتلقِّي لا يستطيع أن يتبيَّن الدلالة/المضمون إن لم يعرف المكوِّنات ونظام العلاقات المنتظمة فيه حقَّ المعرفة، أي أنَّه يصفها ليعرف ما تنطق به من دلالة، فالمادَّة الُّلغوية المتشكِّلة من منظور معين، تتَّخذ الشَّكل الذي ينطق برؤية هذا المنظور إلى العالم. فالشَّكل هنا هو شكل المنظور/الرُّؤية الذي لا نستطيع الفصل بين عناصره إلاَّ على سبيل تسهيل عملية إنتاج معرفة بالنَّص، المتكوِّنة من إجراءات منهجيَّة.
وإن عدنا إلى عمليَّة الإبداع ورأينا كيف تتمّ، لعرفنا حقيقة النَّص الأدبي، ففي هذه العمليَّة ، يعيش الأديب تجربة حياتية ، تكوِّن حالة لديه ، تشكِّل رؤية فريدة ، تحكم هذه الرؤية الفريدة تشكُّل البناء الُّلغوي، وتكون شرطه المكوِّن، وهذا يعني أنَّ البناء الُّلغوي ينبثق من التًّجربة المكونِّة حالة / رؤية، وأنَّ عناصر هذا البناء تنتظم في علاقة عضويَّة في ما بينها، مثل علاقة النِّسغ بالغصن.
ويمكن إيجاز ما يتميَّز به البناء الأدبي الأصيل بميزتين: الميزة الأولى، وحدة بنيوية بين ماذا نرى؟ وكيف نرى؟ وهذه وحدة نشوء، أي يكون السؤال الأول شرط تكوُّن الثاني، والميزة الثانية، نشوء نظام من العلاقات بين عناصر البناء عضويّ يشبه علاقة العطر بالزَّهرة، أي توظَّف العناصر جميعها في نظام علاقات يرشح بالعطر، بالدَّلالة ، وهذه علاقة تكوُّن وحدة النص العضوية .
وإن كان من دراسة جزئية لهذا المكوِّن، أو ذاك، فهذا ليس دراسة لا للمضمون ولا للشكل، وإنَّما هو دراسة لهذا المكوِّن، من حيث هويته وموقعه في نظام العلاقات ودوره في إنتاج فاعليَّة هذا النِّظام الجماليَّة الدلاليَّة.
د. عبد المجيد زراقط - أكاديمي، ناقد. قاص وروائي
* ترقبوا الاثنين القادم، بإذن الله، "في وحدة النص الأدبي"
- علامات:
- إقليمي ودولي
