28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

حين تتعارض العقيدة الدينية مع العِلم وقانون الطبيعة أيّهما نختار؟ د. حسن الصراف

حين تتعارض العقيدة الدينية مع العِلم وقانون الطبيعة أيّهما نختار؟ د. حسن الصراف
حين تتعارض العقيدة الدينية مع العِلم وقانون الطبيعة أيّهما نختار؟ هل نسخر من العِلم وقانون الطبيعة ونتمسّك باللاهوت والغَيب؟ أم العكس، نتنكّر للدين والقضايا المعنوية والروحية ونتباهى بقوّة العِلم والتجربة البشرية؟ أم أنّ هناك طريقة ثالثة تعمل على إعادة النظر في الوعي الديني؟
فايروس كرونا المستجد رغم كلّ مساوئه وأخطاره على حياتنا اليومية ومستقبلنا، يتيح الفرصة في المجتمعات الدينية للتفكير مليّاً في مكانة الأمر المقدّس في سلوكنا وأفكارنا وحياتنا اليومية. يعترض الكثير من المتدينين على قرار غلق المساجد والمراقد المقدسة وقايةً من انتشار فايروس كرونا المستجد. لأنَّ المكان المقدّس موضع لاستجابة الدعاء وللشفاء من الأمراض المستعصية، وبالتالي لا داعي لغلقه للوقاية من انتشار الوباء.
إن المكان المقدَّس الذي يُرجى منه أن يكون موضعاً لاستجابة الدعاء وللشفاء من الأمراض، إذا أصبح موضعاً لتجمّع الفايروسات وانتشار الأوبئة فهل هذا يُعني أن في العقيدة خلل وخطأ؟ أغلب المعترضين على غلق المراقد يخشون مِن هذا السؤال، ويرفضون مواجهته والتفكير فيه، ولذلك يسخرون من الإجراءات الوقائية ويعترضون على غلق الأماكن الدينية، وقد يبالغون في الأمر ويصفون غلق هذه الأماكن بالتآمر ضد العقيدة والمذهب، ويصفون أصحاب القرار في إدارة المراقد بأعداء الدين أو باليائسين من رحمةِ الله!
كلّ مطّلع على سيرة النبي وأهل بيته يعلم بأنّ هؤلاء كانوا يصابون بالأمراض أيضاً، وإن الكثير منهم قضوا نحبهم بالسُّم الذي دسّه الأعداء إليهم. وإن مراقدهم أيضاً تعرضت على مرّ التاريخ للعمليات التخريبة والارهابية.
إذا كان النبيّ وأهل بيته يُصابون بالأمراض في حياتهم، وإذا كانت مراقدهم عُرضة للتلوّث بالأوبئة أو العمليات الإرهابية، إِذن كيف يمكن أن تكون مواضع آمنة وإلهيّة لاستجابة الدعاء وللشفاء من العِلل والأسقام؟ كيف ألجأ لمكانٍ لغرض الدعاء والشفاء، والمكان نفسه مُغلق خوفاً من المرض نفسه؟
كلّ شيءٍ وكل مكان في هذه الدنيا خاضع لقانون الطبيعة، سواء أكان مقدّساً أو غير مقدّس، والفايروسات أو المواد المتفجرة لا تميّز بين المكان المقدس وغير المقدس. هذا يُعني أن في قانون الطبيعة مساواة، لا تميز بين الأمر الديني وغير الديني، وإن كلّ النّاس سواسية كأسناس المشط، بل حتّى شخص النبيّ هو واحد مثلنا من الناحية الجسدية، ويصاب بالأمراض: ﴿قل إنما أنا بشر مثلكم﴾ (الكهف، 110)
إنَّ الذي يستجيب للدعاء ويُشفي المريض الميؤوس منه هو الله وحده ولا أحد سواه، هذا ما يفهمه كلّ عاقل ومؤمن بدين النبيّ. لم نسمع يوماً -خلال القرنَين الأخيرين على أقل تقدير- بأنّ عالماً دينياً أصابه المرض ورفض العلاج بالعقاقير الطبية ورفض استشارة الأطباء وذهب بدلاً عن ذلك إلى المراقد الدينية للشفاء.
عِلمُ الطّب يوظّف قانون الطبيعة للتصدّي إلى الأمراض التي هي نتاج قانون الطبيعة أيضاً. والدعاء إلى الله هو الطريق الأمثل لمواصلة العلاقة الروحية بين الإنسان وربّه، فبالدعاء يطلب الإنسانُ من الله (الذي وضع قانون الطبيعة) ليُعينه في استعمال نعمة العقل ليواجه به هذا القانون من خلال توظيفِ قوانين أخرى في الطبيعة.
والأهم من كلّ ذلك الدعاء وسيلة وقائية مِن اليأس الذي يمثّل واحداً من أشد الذنوب، إذ ﴿لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾ (يوسف/87). وأفضل الأماكن لاستجابة الدعاء بهذا المفهوم هي الأماكن المخصصة للدعاء التي يجب أن تظلّ طاهرة ونظيفة من كلّ سوء.
إذا أنكرتَ قوانين الطبيعة فإنّها لا تنكرك، وتشملك بأثرها. الحل العقلاني هو أن تواجه الطبيعةَ بالعِلم التجريبي، وأن تُبقي سراج الأمل وهاجاً في ضميرك بالدعاء والشعور الديني.
يقول الإمام علي (ع) في وصيته لابنه الحسن:
جَعَلَ [اللهُ] في يديك مفاتيح خزائنه بما أذِنَ لك فيه من مَسألته، فمتى شئتَ استفتحتَ بالدعاء أبواب نعمه، واستمطرتَ شآبيب رحمته، فلا يقنطنَّك إبطاء إجابته، فإن العطية على قدر النيّة، وربما أُخَرَتْ عنك الإجابة، ليكون ذلك أعظم لإجر السّائِل، وأجزلَ لعطاء الآمِ
No photo description available..