من ذاكرة الأيام البيروتية.. كعكة "أبو علي" /بقلم الأستاذ زياد سامي عيتاني
"كعكة العصرونية".. تفوح منها رائحة أيام البركة. ونعود بالذاكرة إلى ذلك اليوم التي كانت "كعكة أبو علي" مصدر سعادة وفرح لكل من يتذوقها إما من فرنه مباشرة، وإما من بائع متجول في زمن الرخاء والنفوس الهادئة.
فكم كنا نقف ونحن صغاراً في موقف لا يخلو من "الشقاوة" عند نافذة منازلنا أو شرفاتها المطلّة على الشارع، نترقّب وصول ذاك الرجل المسنّ الطيّب المنادي على الكعك!؟ فتعلو أصواتنا مقلدين صيحاته لتتحول إلى "سمفونية بريئة"، تقابلها إبتسامة الرجل، رغم علامات التعب والإرهاق على وجهه المفعم بأمل الحياة...
وما أن ينزل "فرش" الكعك عن رأسه ويضعه على القاعدة الخشبية حتى يتحلق حوله الناس من كل الأعمار للحصول نصيبهم من كعكة أو "قليطة" بعد رشها بالزعتر والسماق، قبل أن يزورها التطور بإضافة الجبنة وغيرها من النكهات، التي أفقدتها مذاقها الأصلي.
يومها كانت رائحة "الكعكة" المتغلغلة في مختلف حواسنا دون إستئذان، كانت تهزم قدرتنا على مقاومتها، لم نكن نقوى على الصمود أمامها، تجذب أنظارنا، تغازل أحشاءنا، نستسلم لها، ونلتهما بشغف شديد.
مع تقدم الزمن، تطورت المهنة بإستخدام عربة الجر، مع سخان لتسخين الكعك وإضافة الجبن إليه، ثم إعتمدت صيغة الكعكة أفران تفننت في إنتاجه، وصنعت منه أشكالاً مختلفة.
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي. عضو جمعية تراث بيروت.
الصورة: أبو علي حطيط رحمه الله أمام فرنه في منطقة البسطا التحتا. شارع الزهراوي
"اسكتش" قلم رصاص على ورق بريشة صديقنا الفنان التشكيلي الأستاذ هاني بعيون.
- علامات:
- إقليمي ودولي