المفاوضات الأميركية – الإيرانية.. فوق سور الصين /سميح صعب
منذ اشهر، اعتمدت إيران ما وصفه دنيس روس بـ”الضغوط القصوى” (تيمناً بحملة الضغوط القصوى لترامب ضد طهران) على إدارة بايدن، من زيادة تخصيب الأورانيوم إلى درجة نقاء 20 في المئة، ورفع عدد أجهزة الطرد المركزي، كماً ونوعاً، وتقييد مهمة المفتشين الدوليين، مع تصعيد إقليمي في اليمن والعراق. والآن، ذهبت إيران إلى توقيع إتفاق الشراكة مع الصين، الذي سيشكل رافعة لها للصمود في وجه العقوبات الأميركية. وثمة من يعتقد أن أميركا هي من حملت إيران على “الإرتماء” في أحضان الصين. كما أن أوروبا التي ترددت في تعويض طهران خسائرها الناجمة عن عقوبات ترامب، هي أيضاً، دفعت النظام الإيراني، إلى إزالة التحفظات وتوقيع إتفاق الشراكة مع الصين. بعد إتفاق الشراكة، صار في إمكان إيران أن تفاوض الأميركيين من موقع من بات رأسه فوق الماء إقتصادياً، وليس من موقع الإنهاك. ولا بد من طرح السؤال التالي: لماذا لم يلمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما سماه “إشارات أميركية إيجابية” حيال إمكان العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة، إلا بعد التوقيع على إتفاق الشراكة بين الصين وإيران؟ وسؤال استطرادي آخر، لماذا هرعت القوى الأوروبية الثلاث الموقعة على الإتفاق، فرنسا والمانيا وبريطانيا، إلى ترتيب إجتماع مع روسيا والصين وإيران، يوم الجمعة الماضي، ناقشت فيه السبل الواجب اعتمادها لإحياء الإتفاق النووي، ليتقرر بدء مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن في فيينا إعتباراً من الثلثاء.
لا يمكن انكار أن إتفاق الشراكة الصيني – الإيراني، قد حرّك المياه الراكدة على مستوى الإتفاق النووي، وجعل أميركا باستدراك متأخر تقرر أنها لن تتخلى للصين عن إيران، وأن ثمة نافذة لم تقفل بعد أمام الرهان الأميركي الدائم على الفوز بحصة إيرانية وعدم جعل الصين وروسيا أيضاً تستأثران بالموقع الإيراني، في سياق المواجهة العالمية الأوسع. يتناغم هذا الاعتقاد مع التقسيم الدولي الحاد الذي بدأ يبرز عقب فشل الحوار الأميركي – الصيني في ألاسكا، ونُذر الحرب الباردة الجديدة بين الإصطفافات الجديدة للقوى العالمية. أميركا وبريطانيا والإتحاد الأوروبي واليابان واستراليا، وإلى حد ما الهند، من جهة، والصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، من جهة ثانية. قد لا ترقى الحرب الباردة الجديدة، إلى تلك التي دارت بين الغرب والإتحاد السوفياتي في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، على اعتبار أن الولايات المتحدة والصين اليوم على رغم “التنافس الشرس”، وفق تعبير مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، فإنهما لا يزالان يعتمدان على بعضهما إقتصادياً، لكن من يضمن كيف يمكن أن تتطور الأمور مستقبلاً؟ في السباق، أو في مرحلة الصراع على إيران، إذا جاز التعبير، سجلت الصين نقطة مهمة في مواجهة الولايات المتحدة، بينما إختارت إيران الإنتقال شرقاً، وكسر مفهوم تقليدي ساد تاريخياً عن إيران الدولة التي لا يمكن إلا أن تكون غربية على رغم القطيعة المستمرة مع الولايات المتحدة منذ 1979. وفي محاولة للتقليل من شأن إتفاق الشراكة الصيني – الإيراني، يقول مسؤولون في الولايات المتحدة والغرب عموماً، إن هذا الإتفاق، يرتّب على إيران تقديم تنازل إيديولوجي مهم، ألا وهو كسر شعار “لا شرق ولا غرب” الذي رفعه الخميني عقب إسقاط نظام الشاه. لكن ذلك لا يلغي أن الإتفاق الصيني ـ الإيراني أوجد واقعاً جيوسياسياً جديداً لا يصب في مصلحة الغرب.
سميح صعب. كاتب وصحافي لبناني
المصدر :180 post
- علامات:
- إقليمي ودولي