28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

لبنان في مهب الفوضى الاقتصادية.. الثروة بيد التجار، والناس تزداد فقرا

لبنان في مهب الفوضى الاقتصادية.. الثروة بيد التجار، والناس تزداد فقرا الفقر الذي يضرب لبنان ويتمدّد يومًا بعد يوم، أصبح القنبلة الموقوتة التي تنتظر المُجتمع اللبناني. هذا الفقر نتج من تراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء، أضف إلى ذلك عدم قدرة المصارف على تأمين ودائع المودعين بالعملة الصعبة، مما جعل التجّار يتحكّمون بمصير الناس في ظل غياب كبير للأجهزة الرقابية.
وليس بجديد القول ان التجار الذي يستفيدون من دعم السلع الغذائية والمواد الأولية على سعر الصرف الرسمي أو سعر المنصة الإلكترونية، يعمدون إلى بيع هذه المُنتجات على سعر دولار السوق أو تهريبها إلى الخارج كما ظهر في المرحلة الأخيرة. وهذا الأمر يعني أن أموال الناس تنتقل عن غير وجه حقّ إلى التجار إن مباشرة من خلال فرق الأسعار أو غير مباشرة عن طريق الدعم.
لكن الأصعب في هذا الأمر أن التجّار يعمدون إلى تحميل كلفة الضريبة على القيمة المضافة على سعر صرف دولار السوق السوداء، مع العلم أنهم يدفعون هذه الضريبة على سعر الصرف الرسمي. وكأن هذا لا يكفي، إذ يعمد العديد منهم إلى القبض نقدًا على سعر صرف دولار السوق في حين أن أنظمتهم المحاسبية تُسعّر الدولار على سعر الصرف الرسمي. وبالتالي لا يُمكن لوزارة المال معرفة حجم العمليات التجارية مما يعني خسارة مداخيل خزينة الدولة، والغريب في الأمر أنه إلى الآن لم يصدر أي بيان أو قرار يمنع التجار من الفوترة بالعملة الأجنبية أو التعامل بها بطريقة مباشرة. وهنا نسمع أصواتاً وتساؤلات محقة عن السر وراء هذا الصمت المطبق؟ أهو إقرار بالعجز أم مساهمة فيه ورضى بنتائجه؟
اقتصاديًا واجتماعيًا، هذا الأمر بالغ الخطورة! فنقل الثروات (عن غير وجه حقّ) من عامة الشعب إلى التجّار يُشكّل ضربة كبيرة للمجتمع ككلّ وهو مُخالف لاستراتيجية الأمم المُتحدة المُتعلقّة بالتنمية المُستدامة. وهذا الأمر هو نتاج تلكؤ واضح من قبل المعنيين بأخذ القرارات اللازمة، وعلى رأسها وقف الفوترة بالدولار وزيادة الرقابة ومُحاسبة المخالفين. ومن الملاحظ أن هذه الظاهرة بدأت تتفشى في المستويات الدنيا لعالم التجارة بحيث صار تاجر القطعة يتبع خطوات حيتان الأموال، ولكن على مقاسه في ظل التقاعس التام للوزارة المعنية.
هذه الظاهرة ستؤدّي حكمًا في الأشهر القليلة القادمة إلى ثورة لن يكون بمقدور الدولة بكلّ مؤسساتها وقفها. ولعل الفئة المطالبة بهذه الثورة ستكون مختلفة عن سابقاتها.
بضعة أشهر قبل الفوضى
وباء كورونا المُستمرّ في ضرب الإقتصاد، والأزمة المالية التي تمنع الدولة من القيام بواجباتها كاملة تجاه شعبها، سيؤديان إلى وضع المجتمع اللبناني تحت الضغط ومن ثم إلى خلق فوضى أمنية. إن ضرورة القيام بإجراءات حكومية لوقف هذا السيناريو هو أمر حتمي وقد يصل إلى مستوى الإهمال المفرط والتقصير الوظيفي المتعمد، لأن عدم القيام به يعني رفع الشرعية عن السلطات اللبنانية ناهيك بما قد ينتج من ذلك على الصعيد الدولي.
عمليًا، يتوجّب على حكومة تصريف الأعمال أخذ قرارات مُلحة مثل منع الفوترة بالدولار الأميركي من قبل التجّار، كما وزيادة الرقابة عليهم ومراقبة حركة تهريب البضائع بجدية وحرفية. كما من الأهمية بمكان مراقبة أموال عمليات التصدير بحيث يتم إنشاء آلية لإرجاع المُصدّرين للأموال التي يتلقونها بالعملة الصعبة كبديل عن صادراتهم إلى لبنان، وذلك عملا بمبدأ أنهم يستفيدون من الدعم أقله على صعيد المحروقات والكهرباء والإتصالات. ولا يجب نسيان عامل التحفيز الإقتصادي عبر وضع الأملاك العامّة بتصرّف المزارعين والصناعيين الذين يرغبون في الاستثمار بهدف تلبية السوق الداخلي.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فإن بقاء أجور الوظائف عامة على سعر الصرف الرسمي أمام التهديد برفع الدعم أو ترشيده سيخلق حالة عوز شديدة شبيهة ببعض دول المحيط، مما سيدفع الموظف الشريف إلى سلوك طرق الفساد الوظيفي اضطراراً لا اختياراً، وذلك في شتى القطاعات والمجالات.
بالطبع الحلّ المثالي بعيد المنال في ظل الصورة القاتمة للأوضاع الراهنة إلا أن المسلم به، أن تشكيل حكومة قادرة على إعادة الثقة إلى الإقتصاد من خلال تنفيذ إقتراحات البنك الدولي التي صدرت في تقريره الأخير عن لبنان، هو الكي الذي لا بد منه للخروج من هذا النفق المظلم والنفاق المنظم.
المصدر : "الديار"