الحكومة قوية بين الشرق والغرب
. الحكومة قوية بين الشرق والغرب
بقلم الدكتور جيرار ديب .
لا يختلف إثنان، ومنذ عهد الرئيس كميل شمعون تحديدًا، أنّ النظام اللبناني مرتبط بالنظام الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في مقابل الحلف الشرقي بقيادة الإتحاد السوفياتي سابقًا، واليوم يتمثّل هذا الحلف في الصين (إقتصاديًا) وروسيا (عسكريًا).
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والغرب والشرق يسعيان إلى فرض الهيمنة على المنطقة لاعتبارات كثيرة منها:
الموقع الجغيرافي: فهي صلة وصل القارات الثلاثة آسيا وأوروبا وإفريقيا.
إخضاعها إلى المنظومة الإقتصادية الليبرالية مع الغرب، أم المنظومة الإشتراكية سابقًا مع الشيوعية الروسية، واليوم التنين الصيني.
استغلال طاقاتها البشرية والطبيعية لمصلحة العجلة الإنتاجية لديها، وجعل شعوبها مستهلكة لسلعها.
بالعودة إلى لبنان، فاقتصاديًا فهو يطبّق النظام الليبرالي، وهو جزء من المنظومة العالمية الغربية في سياستها، حيث التعاون المستمر مع الغرب والدول العربية لا سيما المملكة العربية السعودية. فالتسلّح العسكري أميركي وفرنسي، والهبات والقروض سعودي وعربي، ومن يدور في فلكهم.
إن الغياب الطويل للشرق عن الساحة العالمية، لا سيما مع انهيار الإتحاد السوفياتي عام 1990، وسقوط جدار برلين 1989، ودخول الصين الشعبية في مسار إصلاحي – إقتصادي لسنوات طوال عام 1978 مع الرئيس الصيني دينغ شياو بينغ، أعطى الفرصة للعالم الغربي للعب دور القيادة على الساحة الدولية، الأمر الذي دفع بالكثير من الدول للارتماء في أحضان هذا الحلف.
لكن هذا الغياب لم يدم طويلًا، إذ سرعان ما استفاق الشرق، ودخل العالم من بابه العريض، محاولَا فرض واقع جديد عندما تدخلت روسياعام 2008 في أوكرانيا بقواها العسكرية، وضمّت القرم إليها متحديةً الرفض الدولي حينها. ومن ثمّ ظهور قواها العسكرية مجددًا على الساحة السورية بين عامي 2014و2015، التي كسرت الإرادة الغربية بقلب النظام القائم، لا بل عمدت إلى تثبيت وجودها في المنطقة، وأصبحت هي صاحبة القرار، وما مؤتمرات استانة وغيرها إلا دليل واضح على إبعاد الدور الأميركي وحلفائه عن القضية السورية. هذا بالإضافة إلى دخول الصين على الخارطة الإقتصادية للعالم، مع القيام باستثمارات بمليارات الدولارات في العالم لاسيما في العالم العربي. وضمّ المنطقة اليوم إلى مشروع "الحزام والطريق " الذي تسعى الصين لتطبيقه على أكثر من 158 دولة في العالم. كما وأنها نجحت في ربط السوق الإيراني والعراقي وسوري إلى إقتصادها، وتعمل جاهدة على الدخول إلى السوق اللبناني من باب تمويل المشاريع الاستثمارية، والإنتاجية لا سيما الكهرباء.
أمام هذا الواقع الصدامي بين الغرب والشرق، تقف الحكومة اللبنانية في موقف القوة، إن عملت على التوافق بين الغرب والشرق. فقوة لبنان هنا تكمن في اللعب على عدم الإنحياز لأي محور من محاور القتال في الشرق. فهي بحاجة إلى الغرب ودعمه، فالدولار لم يزل عملة التبادل العالمي، والمؤسسات العالمية لا سيما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يتلقى الدعم من الولايات المتحدة، كما وإن الشركات المتعددة الجنسيات والمتعدية القومية يمتلك أكثر من 80% منها الثلاثي الأميركي – الأوروبي – الياباني. دون أن ننسى أن النفط العالمي عبر منظمة الأوبيك، إذ لم تزل المؤسسة الوحيدة التي تتحكم بأسعار وإنتاج النفط، وبما أنّ لبنان دخل نادي الدول النفطية، فمن الطبيعي أن يعمل على حجز مركز له في هذه المنظمة.
إضافة إلى ضرورة الحفاظ على تحالفنا مع الغرب، مطلوب من الحكومة كذلك التوجه أيضًا شرقًا، كما دعا مرارًا وتكرارًا السيد حسن نصرالله، والأصوات التي علت مطالبةَ الحكومة اللبنانية، لاختيار طريق الحريري، كي يستطيع لبنان التحرّر من الهيمنة الغربية، ولكن بالبطبع ليس بهدف الارتماء في أحضان تحالف يحبك شباكه في المنطقة كي يفرض أمرًا واقعًا جديدًا عبر تحالفاته مع بعض القوى الإقليمية التي هي أيضًا لها مشاريعها.
إن الحكومة اللبنانية في هذه الظروف عليها اللعب على أكثر من حبل لتحسين واقعها، فبين الغرب والشرق يجب الاستفادة من خلال عدم الإصطفاف مع محور ضدّ آخر. لأنّ الاصطفاف يعني الارتهان، فنحن لسنا في موقف المفاوض ولا فرض الشروط. لهذا على الحكومة الإدراك أن ورقتها الرابحة هي ارضاء الجميع كي تحفظ ثقة الإثنين وتستفيد من الجميع. فما المشكلة إن كان الاستثمار الأجنبي إلى الجانب الإستثمار الصنيني أم الروسي. بالطبع لا مشكلة، ولكنها ستكون المشكلة في الاصطفاف، وفي تلبية مطالب أحد الأفرقاء التي لا تنتهي، والتي قد تدخلنا في دوامة لا شأن لنا بها. بل جلّ ما هو مطلوب اليوم في أزمتي كورونا والمال، أن نمدّ أيدينا إلى كل من يريد مساعدتنا دون شروط الإملاء، بل من أجل الإصلاح الذي بات مطلب الجميع.
د. جيرار ديب - أستاذ الفكر السياسي قي الجامعة اللبنانية
"المصدر : د. جيرار ديب . مقال تلقته "الايام " من الدكتور ديب مشكورا ،وتنشره مع التنويه أنه -كما كل المقالات التي تصلنا تعبر- عن رأي كاتبيها ، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "الأيام
- علامات:
- إقليمي ودولي
