28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

كورونيات.. حدث غدا. بقلم د. علي حجازي

كورونيات.. حدث غدا. بقلم د. علي حجازي كورونيّات... " حدث غداً "
كَتب الدكتور علي حجازي :
عند السابعة من صباح الغد ، احسّ أنّه ينهار، فموجة السعال التي تجتاحه الآن شديدة ، وشدية جدّاً ،شعر بالندم ، وشرع يحدّث نفسه بكلام مسموع:
" ما ضرّ لو ذهبت البارحة بعد ارفضاض الزوّار إلى المستشفى ؟ ليلة البارحة عرفت انّ الوضع آخذ بالتأزم ، فالألم الذي حلّ بحنجرتي لا يحتمل البتّة، البارحة ندمت على ما بدر منّي أوّل من أمس ،حيث صعّرت خدي لذلك الطبيب الذي طلب إليّ إجراء الكشف الحراري ،لكنني رفضت ،وهذا هو العناد بعينه، أعرف أنني عنيد ومتعالٍ أيضا ًً
سعال حادٌّ مفاجئ يقطع عليه كلامه ، فتوقف
استفاقت الخادمة على صوت تلك النوبة الحادّة، وأسرعت إليه حاملةً كوباً من الماء
- هل استفاق أحد من العائلة؟
- لا ، بابا، فغرفة نوم الماما مقفلة، وكذلك غرف الأولاد
- ضعيه هنا ، وحضّري لي الشاي
- حاضر بابا
عاد إلى مراجعة الذات ، مستغلاً هدوء نوبات السعال المتلاحقة "لماذا رفضت الخضوع؟ لو اكتشفنا الإصابة أوّل من أمس لكنت وجدت سريراً في المستشفى. هو ،للحقيقة فرّس في وجهي وقال:
-انصحك ، لا تكابر ، عليك الحجر ، فهو واجب لمن هو في مثل حالك - أأحجر نفسي ؟ انا احجر نفسي !ألا تعرف من أنا؟
- أنا اعرفك غير انّ الوباء لا يعرفك، طاوعني ، لا تكابر.ثمّ ، دلّني كيف وصلت والمطار مقفل ، والطائرات رابضة في أماكنها؟
-طائرتي خاصة من نعم الله"
- "من نعم الله طبعاً، طبعاً ،رد الطبيب ، ساخراً "
عادت الخادمة بالشاي ، فوجدت الزوجة التي استفاقت على إيقاع تلك الموجة الجديدة من السعال واقفة على بعد منه ،كانت تفرك يديها وتتمتم : -يا ويلي ، إنّه مصاب ، ماذا تنفعه تلك الأموال والشقق والفيللات والأعمال التي راح يتفقدّها في اوروبا؟ ماذا تنفعنا اموال الدنيا الآن؟ قالت ذلك وصرخت في وجوه الأولاد الذين هالهم منظر الوالد الذي يعاني مأساة هذه اللحظة :
-أبقوا حيث أنتم ، لا تقربوه ،ابتعدوا إنهّا الكورونا .
خرجت مسرعة تطلب مساعدة المرافق والسائق اللذين وقفا مشدوهين ، لا يعرفان ما الذي عليهما فعله ، وهما على بيّنة من خطورة الاقتراب من مصاب ، بحسب التعليمات التي تلقياها مع غيرهما من المواطنين عبر وسائل الإعلام.
تُرِكَ المسؤول وحيداً يعاني صعوبةً في التنفس، يكاد معها يختنق، فقد انتفخت أوداجه ،وجحظت عيناه مع احمرارٍ ظاهر فيهما ، ولم تُجدِهِ كلّ تلك الإشارات التي حاول إيصالهاإلى الموجودين العاجزين عن تقديم اي مساعدة، إنها الكورونا المخيفة التي لا تُقارب التي تفتك بحنجرته ،فتصيبه بألم كبير
أمسك المرافق هاتفه المحمول ، وأبلغ المشفى الحكومي عن حال المسؤول ، ثمّ دنا من زميله السلئق ، وراح يكلّمه همساً: - ألم اقل لك أوّل من أمس : إنّ استقباله في المطار مسالة محفوفة بالخطر؟ فأنا اعرف عدد المصابين في تلك الدولة الاوروبية التي كان فيها
-ما الذي نستطيع فعله ، ونحن مأموران ، كما تعرف؟ (ردّ السائق) الذي بدت عليه علامات الارتباك، فبادره المرافق إلى السؤال:
-ما الذي يربكك يا صديقي؟
-أنت تعرف، اننا حملنا الحقائب، وسلّمنا عليه، واقتربنا منه ، ومن اسرته ومن المدعوّوين الذين أمضوا البارحة سهرة عامرةً، احتفاءً بعودته - أتظنُّ أننا مصابان الآن بالكورونا؟
- بالتأكيد ، ثمّ لا تنسَ أننا بتنا البارحة كل في بيته فدمع افراد أسرته، يا ويلي ،إنها كارثة كبيرة ، سترك يا ربّ !
زعيق سيارة الإسعاف يملأ المكان الذي توقّفت فيه أمام قصر المسؤول، نزل المسعفون وتوجهوا الى السكان الذين تجمعوا على صوتها ، والذين شاركوا البارحة في العشاء الكبير الذي اقامه ، طالبين إليهم الابتعاد عن مكان الادإصابة ، ثمّ دخلوا ،وحملوه بحذر شديد ،بعدما كمّموا بوزه ولفّوا جسده بغطاء عازل ،جرى ذلك بسرعة فالقةٍ وسط ذهول افراد الأسرة الذين اضحوا مشغولين بالتفكير بما أصابهم جرّاء عودته ،حاملاً إليهم هذا الوباء. بعد انطلاق سيارة الإسعاف ، شرعت الزوجة تصرخ :
-قلت له :ما لك ولهذه الرحلة،غير انّه عنيد ومكابر.قال احضر عرس ابن صديقي ، واتفقد املاكي واعود ، ولا تنسي انّ المستشفيات عندنا حكومية وغير مجهزة ، اما المستشفيات الخاصة فغير مستعدّة لاستقبال المرضي الذين تسارع الى نقلهم الى مستشفى بيروت الحكومي غير المجهز بأجهزة تنفس وغيرها مما يلزم...لعن الله تلك الساعة الملعونة .
فركت يديها ، وتوجهت الى السالق طالبة إليه نقلها الى المستشفى . ولكم كانت مفاجأتها كبيرة عندما وجدته موضوعاً على كرسي امام شباك موظف الاستعلامات الذي اخبرها ، ردّاً على سؤالها:
- - لمَ لم تدخلوه إلى سرير في العناية المركّزة بعد؟
-لا أسرة شاغرة ، ماذا نفعل ،؟ فالإصابات كثيرة، وعدد اجهزة التنفس محدود جدّاً
- انت لا تعرف من يكون؟ إنّه المسؤول...
- آسف ، لا يوجد اسرة ،شاغرة ، ولا آلات تنفس ، سندخله بعدةقليل إلى الحجر العادي ريثما
-ريثما ماذا ، قد يموت، ونحن على استعداد لشراء ،بل لدفع ما تطلبون مقابل سرير وآلة
- انت تطلبين إليّ ان احرم مريضاً حياته من اجل إنقاذ حياة زوجك هذا حرام ، ومرفوض شرعاً واخلاقاً.
قال ذلك وراح يهمس :
- كان على هذا الحوت الأخضر الذي لم يبق من اموال الفقراء ولم يذر ، أن يحسب حساباً لمثل هذه الحال، فلكم سمعته ينعت ، وعبر وسائل الإعلام ، المستشفيات الحكومية بأبشع النعوت ، الآن جاء يرجونا لإنقاذ حياته "
تدخّل المسؤول ،قاطعاً على موظف الاستعلامات حديثه وقال:.أنا استطيع شراء هذه المستشفى بمحتوياتها ومعداتها كلّها
- آسف ، فهذه المستشفى ليست للبيع ، إنّها حكومية ، انسيت؟ كان عليك المساعدة في تجهيزها ، انت وغيرك ، الآن ، وقبل الآن. قال ذلك ، ثم توجّه إلى زوج المسؤول وأولاده والمرافق وكل من خالطه بالدخول إلى الحجر
راحت الزوج المتوجهة مع افراد اسرتها إلى الحجر تقول:
- ماذا تنفعنا الأموال التي سعى جاهداً إلى تهريبها إلى الخارج؟ ماذا تنفعنا القصور والسيارات والأملاك ونحن لا نجد سريرا"شاغراً، ماذا؟... قطع كلامها ممرض نذر نفسه مع الأطباء والممرضين وعمّال التعقيم والعاملات لمواجهة هذا الوباء القاتل قائلا ً:
- عليك متابعة مسار هذه العلامات التي تدلّك إلى غرفة العزل والحجر الإلزامي
-إلى متى ؟(قالت )
- الى أن يأتي الفرج ، هذه السهام أمامكم فاتبعوها،اتمنى لكم الشفاء العاجل
الدكتور علي حجازي. مدير كلية الآداب في الجامعة اللبنانية. صيدا. سابقاً
. المصدر :جريدة الأيام الإلكترونية. ببروت