في وداع عزالدين المناصرة: وبكى حصاني، فارتميتُ من التعب / عبد الرحمن جاسم
حكيت لي كيف بحثت عن جفرا، سنوات وسنوات، حكيت لي عن محمود درويش وعلاقتك به، وسخرنا كثيراً من مدعي الشعر، وقرأت لي من شعرك الكثير. اللذة في كل هذا؟ أنك أصغيت إلى كلامي وسمعتني أتحدث كثيراً عن الحياة والدنيا والحب والفكر. حدثتني عن طلابك في الجامعة، وكيف أنَّك تعاني أحياناً من عدم اهتمام أجيالٍ جديدة باللغة العربية، وكيف أنَّ المشكلة في من يعلّمون، لا في اللغة. حكيت عن فلسطين، عن ديوانك الذي كان جديداً آنذاك «البنات البنات»، وكيف أنَّ اللغة الشعرية تتطوّر، وأن الشاعر الذي لا يتطوّر يفنى وينقرض. في اليوم الثاني على لقائنا، كنت قد أخبرتني حتى مواعيد دوائك اليومية، لذلك ومع أنني أنسى كثيراً، تذكرت موعده أثناء موعد العشاء، ضحكت وأخبرتني، اعمل حالك مش متذكر. ضحكت ولكنني أصررت. كنت أخافُ عليك. هي المرة الأولى التي أشعر بأن لي والدٌ آخر. كنت والدي «أخوي» عزالدين. في اليوم الثالث، وقبيل سفرك، قررنا الحضور، نون وأنا، كي نودّعك، ونفطر سوياً. ضاحكاً حكيت لنا الكثير من نوادر الشعراء وقصصهم، عن شرفة محمود درويش، عن علاقته بعبدالوهاب البياتي، عن صنعة الشعر وحرفته، عن مهارات الشعراء في اعداد الطعام. حكيت لي عن سفرك، وهجراتك الطويلة، وخروجك من فلسطين، وقلة ابتسامك في الصور. كنت شاباً أكثر منا، تحكي وتتحدّث وتشير، وتبتسم كثيراً لأناس لربما لاتعرف من هم، فأنت عز الدين المناصرة. روحك المرحة وتواضعك وسعة معرفتك والكثير الكثير من ألق شاعرٍ يعرف الشعر كما لو أنه هو.
يومها، ودعناك وليس على أمل إلا أن نتواصل ونتواصل ونتواصل. وهو ما كان عبر الإيميل، كونك كنت تكره الفيسبوك، والذي كنت سأعدّه لك، لولا اصرارك أنك لاتريد. أفقدك اليوم، كما لو أنني أفقد شيئاً مني. أفقدك اليوم، كما لو أنني أفقد قطعةً من روحي. أذكر أنك حين ودعتني، همست في أذني وقلت ببطء على عادتك: يا عبدالرحمن، خليك زي ما انت ما تتغيّر، الوقت بده يغيرك، بس انت ما تتغيّر. يومها شعرت بأنك تمازحني، على عادتك، وروحك المرحة ظلت كما لو أنّها لم تشخ يوماً. لأجيبك: شو بدي أتغير، مش شكلي والله.
وداعاً، يا ابن بني نعيم، يا أمير الجليل الموقد الضوء في عتمة الليالي، يا مضيء الجفرا في ليالي فلسطين الحالكة، يا ضوءاً كان ولايزال ينير. وداعاً عز الدين المناصرة؛ يا عين الشعر العربي، واسطورة الفلسطيني العائد، كما لو أنّه لم يته أبداً.
عبد الرحمن جاسم
المصدر :جريدة الأخبار
- علامات:
- ثقافة