الأخلاق وتأثيرها في نهضة المجتمع اللّبناني- سابين ساسين /جريدة الأيام الإلكترونية
لا تستغرب يا قارئي أن تكون الأخلاق هي الوصفة الناجعة لمحاربة أيّ فساد، نعم هي الوصفة السّحريّة الّتي أثبتت فعاليّتها في كلّ زمان وفي كلّ مكان وحضارة، أوَلم يقُل الشّاعر قديمًا:
إنّما الأُمم الأخلاق ما بقيت/ فإن همُ ذهبت أخلاقهم، ذهبوا
وهناك من قال في هذا المجال: إذا القوم أصيبوا في أخلاقهم/ فأقم عليهم مأتمًا وعويلا
لنتبصّر قليلًا في أزمتنا نحن اللّبنانيّين، عندما بات فينا المرتشي يتباهى بشطارةٍ مُزيّفةٍ، وعندما أخذ الكاذب والمخادع يتبوّأ المناصب، وعندما امتدّت يد السّارق إلى المال العام بلا وَجَل، وعندما أصبح الزّحف على أبواب السّياسيّين سعيًا مُرتجى، رأينا لبنان يتدهور في أتون الحروب ورأينا الشّهداء يتكاثرون والسّواد يعمّ الملابس والقلوب، فكيف لنا إلى نسيان ما جرى علينا طريق؟ وكيف السّبيل ليقظةٍ تصحو فيها الضّمائر المُخدّرة من سُباتها، فتحاسبُ الأيدي الملطّخة بالأوساخ ذاتها، طالبةً النّقاء والطُّهر ولو قبل فوات الأوان.
نَعَم، هي الأخلاق الّتي تُترجم نورَ الله في قلوب بنيه أيًّا تكُن أديانُهم وطوائفهم. ألَمْ يربِّ الله الشّعوب على الصّدق بدلًا من الكذب الّذي يشوّش العقول، زارعًا الثّقة في قولة نَعَم حيث النَّعَم، واللّا حيث تصُحّ اللّا؟ ألَمْ ينهِ الله المؤمن عن السّرقة و التّعدّي على ممتلكات الغير في الوصايا العشر قائلًا: لاتسرق، لا تشته مقتنى غيرك؟ وهذا الإسلام يختصرُ الأخلاق بمبدأ سامٍ يقول: المسلم هو من سَلمَ النّاس من يده ولسانه. ولا نقف هنا في استعراض ما تشمله كلمة الأخلاق، فالأخلاق تتمثّل في عدم اغتياب الآخر، وتتمثّل في الانتصار لسُمعته والمحافظة على كرامته كما ردّدت الحكمة الأزليّة القائلة: "افعلوا بالآخرين ما تُريدون أن يفعله النّاس بكم"، فالحياة هي تبادلٌ للعلاقات بسُمُو، لأنّ الآخر ليس غريبًا، وليس عرضةً كي نُصيبه بالأذيِّ دونما وازعٍ من ضميرٍ أو رادع، إنّما الآخر فلذةٌ من الله وهو على قلبه عزيز، فإن كنتُ أُكرم الله، فعليّ أن أُكرم الآخر الذّي هو مَسْكنٌ من مساكن الله ومَوطئٌ من مواطئ سيادته، هي ذي الوصيّة الأزليّة، وما يزال صداها يتردّد في الأجيال،"أحبب قريبك كنفسك"، وهي هي القاعدة الذهبيّة الّتي ستستوي بناءً عليها الميازين، وحتّى قيام السّاعة.
الصّدق، الأمانة، الاستقامة، احترام الحياة، احترام الكرامة الإنسانيّة، حفظ اللّسان، الانتصار للضّعيف، مساعدة الفقير، وسوى ذلك من العناوين كلّها تندرج تحت عنوان واحدٍ اسمه "الأخلاق".
الأخلاق وحدها تأخذ بناصيّة المجتمع وتقوده إلى النّموّ السّليم والازدهار على غير صعيد.
ربّ عودةٍ إلى منابع الأخلاق مع التزامٍ بما توحيه عمليًّا لا نظريًّا وحَسب، ستنعكس وبسرعة إيجابيًّا على مجتمعنا اللّبناني. فليبدأ كلٌّ من موقعه، ولا نَنتظرَنّ فرجًا من السّوى قائلين: إذا سار قطار الأخلاق في الوطن سرنا في موكبه، لنكن سبّاقين إلى المبادرة، فأيّ امرئ يبدأ بعيش الأخلاق يُضيءُ من حوله ظلامًا، ولا بدّ للضوء من أن يستشرف ضوءًا آخر، ليصبحَ الضّوء هاديًا للّذين يعيشون في الظّلام.
"عامل النّاس كما تريد للنّاس أن يعاملوك به"، وصيّةٌ خالدة لمَنْ رامَ الكمال والتّرقي في مراتب الإنسانيّة، أُصدُق في أقوالك، أنر الزّاوية الّتي أنت فيها، أُطلب الشّرف والاستقامة والعدل والنّزاهة والبرّ، إسْعَ إلى النّظام وحارب الفساد أينما تبدّى لكَ، بعدئذٍ لا تَسَلْ، ستَجد أنّ كلّ الأمور ستستقيم ولبنانُ سيشهدُ فورةً في البشر والحجر معًا، وسيعود ألى سابق ألقه وسيكون طائر الفينيق الّذي سينتفض من رماده..
سابين ساسين
جريدة الأيام الإلكترونية. الصفحة الثقافية
- علامات:
- ثقافة