أثر الأيديولوجيا في تفكيك الدلالة السيميولوجيّة النّصيّة/سابين ساسين - جريدة الأيام الإلكترونية
أثر الأيديولوجيا في تفكيك الدلالة السيميولوجيّة النّصيّة/سابين ساسين - جريدة الأيام الإلكترونية
بين الأيديولوجيا الإنسانيّة والسّيميولوجيا النّصية ثمّة علاقة لم يتوقّف الفكر الإنساني عن تفحّصها، ويظهر ذلك من خلال اللّغة المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأفكار الإنسان الّتي تصاغ دومًا في قالب لغويّ، حتّى في حال تفكيره الباّطني، ولاكتشاف هذه الأيديولوجيا الإنسانيّة لدى الكاتب، ينبغي أوّلًا تحديد السّلسلة اللّغوية الّتي من الضّروري أن نبحث فيها، فإمّا أن تكون لغة مباشرة تواصليّة قائمة على نظام الصّرف والنّحو الّذي يتحكّم بكيفيّة رصف الكلمات لتشكّل لغة واضحة، وإمّا أن تكون لغة رمزيّة قائمة على الإزاحة والبلاغة، وهنا يصبح من الضّروري البحث في التّأويل والتّلفّظ، وذلك لمحاولة فهم انعكاس اللّغة، وفي هذه الحالة لا بدّ من إحالة الكلمة أو العبارة إلى إطارها الأيديولوجيّ الّذي يسمح للقارئ تحديد عتبة المعنى، وذلك من خلال فكّ شيفراتها الّتي تتبيّن لنا من خلال التّأويل واستنطاق النّص واخضاعها لدراسة سيميائيّة تساعد في تحليل العلامات والإشارات والإيحاءات، وذلك دون المسّ بهويّتها العربيّة، وهذا ما يسمّى بتفكيك الدّلالة السّيميولوجيّة، وهذه الدّلالة لا تقف عند إطار معيّن، بل تفتح النّص على سَيْلٍ من المعارف المتنوّعة والمتعدّدة والأيديولوجيّات المختلفة من فلسفيّة ومعرفيّة واجتماعيّة، هذه الأيديولوجيّات تؤثّر في التّفكيك السّيميولوجي وتترافق معه، فتفسح المجال للقارئ لمَسْح البنى العميقة للنّص، وذلك من خلال التّحليل واستنطاق الدّلالات العميقة للبنية النّصيّة، على اعتبار أنّ النّص قائم على بنيات مفتوحة تحتاج إلى صاحب تجربة وممارسة نقديّة واعية في حلّ الدّلالات السّيميولوجيّة الغامضة، وهنا تتحوّل الكلمات إلى علامات ومعانٍ أخرى، فتتبيّن أصداؤها الرّمزيّة والإيحائيّة الّتي تظهر أثر أيديولوجية الشّاعر في اختياره الدّلالات السّيميولوجيّة، فهو ينطلق من ميدانٍ خصبٍ من الثّقافات المتعدّدة، من دينيّة وفلسفيّة واجتماعيّة وأدبيّة، وهذا ما يحوّل الأديب رائيًا ومبدعًا في كتابته.
ومن هنا لا بدّ من وجود قارئ يهضم المعاني المرادة من إنتاج الكاتب انطلاقًا من أيديولوجيّته الخاصّة التي تخوّله خلع اللّباس السّيمولوجي للكلمة، ومن هذا المنحى، لا بدّ لكل ّقارئ أن يمتلك منهجًا في التّفكير يمنحه القدرة على التّفكيك الدّلالي، فهو الّذي يتحكّم في المعنى وفي رمزيّة كلام الكاتب ويحدّده انطلاقًا من فكره وثقافته وحقوله المعرفيّة، فالوعي بهذه الأمور تساعد القارئ في تجاوز حدود ما يقرأ، مفككًا بذلك الدّلالات السّيمولوجيّة الّتي تتبدّل وتتحرّك داخل النّصوص استنادًا إلى أيديولوجية كل قارئ، ولكن رغم تعدّد أيديولوجيّات القرّاء وتفكيكاتهم السّيمولوجيّة، تبقى أيديولوجية الكاتب داخل نصّه واحدة تحدّد نظرته ورؤيته إلى الوجود رغم تعدّد التأويلات والقراءات. فكلّ كاتب ينتج عمله من خلفيّة أيدويولوجيّة واعية، ولكنّه يُسَتّرها خلف دلالات سيمولوجيّة، وبأسلوبه هذا يشكّل في كتاباته أنموذجًا مثاليًّا في نقل أفكاره انطلاقًا من إنتاجه الأدبي.
إذًا لكلّ كاتب ولكلّ قارئ أيديولوجيا معيّنة ينطلق منها، الكاتب لإيصال أفكاره بأسلوبٍ بليغ وبتعابير أنيقة وبدلالات سيميولوجيّة، أمّا القارئ لتفكيك العلامات والدّلالات والرّموز والمعاني َالسّيميولوجية، وهذه الأمور هي التي تكشف أيضًأ أيديولوجية الكاتب، حتى ولو كانت مختلفة عن أيديولوجية القارئ، فإن الدّلالات السيمولوجية تخضع لتفسيرات ولتأويلات عديدة، ولكنّها لا تخرج عن دائرة قصد الكاتب حتى وإن كان بأسلوبٍ غير مباشر.
سابين ساسين - جريدة الأيام الإلكترونية. الصفحة الثقافية