28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

"جذور فوق التراب" ل عبد المجيد زراقط، هل تعود الجذور إلى ترابها؟ /جريدة الأيام الإلكترونية

"جذور فوق التراب" ل عبد المجيد زراقط، هل تعود الجذور إلى ترابها؟ /جريدة الأيام الإلكترونية "جذور فوق التراب وقصص أخرى" لعبد المجيد زراقط، مجموعة قصص قصيرة، صدرت مؤخرًا عن دار روافد في بيروت.
في فضاء الإهداء، بوصفه العتبة الثانية بعد العنوان، (إلى كل من يعملون في سبيل أن ينجلي هذا الليل نهدي هذه القصص) دلالةٌ واضحةٌ على القضية المركزية التي شغلت المؤلف على مدى عقود من الزمن، وهو يعاين تداعياتها في القرية والمدينة وأزمان السلم والحرب، وفي المؤسسات وسيارات الأجرة، في كل شيء، وهو يردد في نفسه: أما آن لليل الفساد أن ينجلي".
المجموعة هي في الأصل مجموعتان: أولاها كتبت منذ أكثر من خمسين عامًا، وفيها اثنتا عشرة قصة، وثانيتها كتبت في أوقات متباعدة، كما يشير زراقط، وبينهما قصة "الحريق" التي تنتمي، وإنْ كُتبت فيما بعد، إلى زمن المجموعة الأولى.
وفي قراءة متأنية للمجموعتين، نلحظ أنهما مأخوذتان من الواقع المعيش، إلا أن الثانية تعمد إلى التصريح، في حين تلجأ الأولى إلى التلميح، وكأن الكاتب، وبعد أن شعر باليأس، راح يسمي الأشياء بأسمائها.
في إطلالة سريعة على قصص المجموعة الثانية وشخصياتها، نلحظ إخفاقًا كبيرًا في كفِّ يد الليل الطويلة عن حجب الشمس الدافئة. وتمثيلًا على ذلك نقرأ في أولى قصص المجموعة الثانية، وهي "غزوة السوس" صراعًا بين المخلصين للوطن وبين المفسدين فيه، واعترافًا بأن السوس ينخر الوطن: "ما أحوجك، يا وطني، إلى عاصوفة تكنس السوس الذي ينخرك" (ص. 102). إذًا، يعترف الكاتب بأن السوس قد تمدّد لينخر كل شيء. فعلام يعول الكاتب في خطوة "التكنيس" المطلوبة؟
وفي القصة السادسة "حبال القبائل" يصور الراوي الوطن مجموعةً من القبائل اتّخذت شكل مزارع، على رأس كل واحدة منها شيخ أحاط نفسه بالأعوان و"القبضات"، "وكان لكل قبيلة من هذه القبائل شيخٌ أحاط نفسه بأعوانٍ يقدح من عيونهم الشرر، وترتفع قبضاتهم وتهوي كلما ارتفعت رأسٌ أو تمتم لسانٌ او اتسعت عينٌ" (ص. 118). لكن المفاجئ أن يُنتظر الإصلاح من الناطور الذي عيّنه مجلس شيوخ القبائل. هل يعني الكاتب ذلك، أم أنه أراد أن يشير إلى الإيمان الكبير بفقراء هذا الوطن، وتعويله عليهم في الإصلاح المنشود؟
وفي القصة الحادية عشرة "خذوا أسرارهم" يشير الكاتب إلى جانب مهم من جوانب الفساد، وهو الفساد "الثقافي" الذي خبره الكاتب طويلًا، وله فيه صولات وجولات كثيرة، ليس أقلها ما نشره في ثنايا مؤلفاته الكثيرة، "ألست أنت من استولى على مجموعته القصصية، عندما أعطاك إياها لتنشرها في الصفحة الثقافية التي تترأس تحريرها، ثم ادعيت ضياع القصص، وها أنت تستثمرها في ما تنشر من قصص وروايات؟" (ص. 148و149). والعجب كل العجب أن ينسحب الفساد على ما يسميه الكاتب "الفرح" في قصته الأخيرة "إلا الفرح"، التي تضع الكاتب أمام التحدي المباشر، فيدفعه التحدي إلى أخذ حقه بيده من خلال نشر قصته التي تعرّضت للسرقة، فيسقط بذلك آخر حصن يُتكأ عليه في إنقاذ الوطن، فهل استسلم الكاتب ورضخ أمام فشل محاولات الإصلاح؟
في الإجابة عن هذه الأسئلة التي تشغل بال الكاتب، وبالعودة إلى عنوان المجموعة، نجد أن الأمل موجود بأن تعود الجذور إلى التراب، فيحضنها الأخير، لأنه مكانها الطبيعي، وتورق الأغصان وتخضر حاملة الثمار، ثم تأتي على كل الأشواك التي تطل برأسها من جديد.
ولعل في العودة إلى قصص المجموعة الأولى يكمن الجواب: في العودة إلى القرية "عدت إلى قريتي" (ص. 13و19و43و95) و"كنت أجلس في باحة بيت أهلي" (ص. 93). والعودة إلى القرية تعني العودة إلى الجذور التي غدت بفعل الابتعاد عن القيم فوق التراب، فهل تتحقق أمنية الكاتب في عودة الجذور إلى حضنها الطبيعيّ؟
د. أحمد نزال - كاتب وأستاذ جامعي
جريدة الأيام الإلكترونية. ثقافة