28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

كورونا وسقوط الإنسانيَّة في العقم/جريدة الأيام الإلكترونية

كورونا وسقوط الإنسانيَّة في العقم/جريدة الأيام الإلكترونية يقتصر أمر فهم الحياة اليوميَّة، والحقائق الاجتماعيَّة، من خلال تقديم نسخةٍ حيَّةٍ عن الحياة الواقعيَّة، الَّتي تتأطَّر في التَّقييم بهدف التَّطوير من ناحية، وفي التَّقويم لتجنُّب أخطائها من ناحية ثانية، حيث تكون للقيم الموروثة، والمكتسبة الدَّور الأبرز في ظاهرة الإعلاء الإنساني.
يقول بلزاك:" هي قادرة على كبح ميول الإنسان المنحرفة" حيث تكون - القيم – النِّظام الوحيد القادر على قيادة الشُّعوب المجتمعيَّة نحو العدالة، والسَّلام. لكن ماذا لو باتت هذه القيم افتراضيَّة كما باتت الحياة مرتبطة باللَّاواقع المنمَّق في إطار وهميٍّ، وكاذب من خلال السُّوشيال ميديا؟ ليس المقصود بميول الإنسان المنحرفة الشُّذوذ والانحراف الأخلاقيَّ، إنَّما يتعدَّى ذلك الانحراف إلى أذيَّة المشاعر الجماعيَّة لعدد غفير من النَّاس من خلال التَّبجُّح، والتَّفاخر بفعل سمحت القدرة الماليَّة لشخص ما القيام به دون كثيرين؛ التَّفوق المالي الَّذي أظهر أحد أقذر أوجه اللَّاعدالة، إذ همَّش الفقير، وهشَّمه في ظلِّ جائحة كورونا.
منذ دخل لبنان في الثَّامن والعشرين من شباط 2020 الحجر الصحي جرَّاء جائحة كورونا، ظهر عمق الهوَّة بين أقطاب السُّلطة، والمواطن، بل نستطيع القول أنَّها أظهرت عمق فجوتها خاصَّة بعد أحداث السَّابع عشر من تشرين 2019، لكنَّ الفجوة الحقيقيَّة، والأكثر خطورة لم تكتفِ بعلاقة المواطن اللُّبناني مع دولته، لكنَّها تعدَّتها لفجوةٍ أعمق، وأكثر حدَّة، وتكاد تعطي طابعًا خطيرًا للأيديولوجيا السَّائدة في مجتمعنا المصغَّر، وهي فجوة على الصَّعيدين؛ السُّلوكي، والفكري سواء بين أبناء الوطن، حيث لا يبدو هذا الاختلاف اختلافًا عاديًّا، إنَّما يظهر كفارق يجعل المجتمع طبقتين في اتجاه معاكس، حيث بدت ثقافة التَّرف تقابلها ثقافة البؤس، الَّتي ظهر ثقلها في ظلِّ توفُّر لقاح كورونا خاصَّة بعد التَّفشي الكارثيِّ للوباء، والَّذي جعل لبنان في المرتبة الثَّالثة عالميًّا من حيث عدد الإصابات، فكان الإقفال العام، وكالمعتاد دائمًا يبقى الفقير هو المتضرِّر الأكبر من كل الإجراءات الَّتي تتَّخذها الدَّولة. هذا بكلِّ خطره لا يَخفى على أحد، لكن ما يثير الدَّهشة، والاستغراب، والتَّعجُّب هي ظاهرة سفر بعض السِّياسيِّين، والفنَّانين إلى دول الخليج للحصول على اللُّقاح، مع التَّفاخر بهذا الفعل كاستعراض بطوليٍّ على مواقع التَّواصل، كان كفيلًا إظهار الفصل الحادِّ، والخطير بين العناصر المكوِّنة لبِنية المجتمع اللُّبناني، علمًا أن شريحة كبيرة من هؤلاء في جلِّ تصريحاتهم الافتراضية - والَّتي أثبت الواقع أنَّها تصريحات إعلاميَّة – هم مع الشَّعب الفقير الَّذي يعاني من كلِّ الأوضاع المزرية الَّتي أصابت البلاد. هكذا انعدم الإحساس بالآخر، في الوقت الَّذي امتلأت فيه المستشفيات بمرضى كورونا، وفي الوقت الَّتي تدفن فيه الأطقم المسعفة متوَّفًى، وتُدخل مريضًا للمشفى، حيث الأطباء، والممرضون لا يجدون وقتًا لالتقاط أنفاسهم. تظهر شراسة هذه الوقاحة من أولئك الأشخاص في ضحكة مبذِّرة، يستعرضون انجازهم في تناول اللُّقاح في دول الخليج، ليبين موقفهم كمحاولة للنجاة من المرض، لكنَّه في المقابل إنكارٌ للمشاعر الجامعة الَّتي اجتمع فيها كلُّ من يحسُّ في القهر، والعجز في هذا البلد.
بدا الأمر على السوشيال ميديا كأنَّه يتسم بانحلال الانتماء لهؤلاء الأشخاص عن الطَّبقة العاجزة، والحزينة، والمكافحة، والَّتي تصرخ بصمت في الشَّوارع، وفي المنازل كلَّ يوم، والَّتي تشكِّل السَّواد الأعظم من الشَّعب اللُّبناني.
أظهر الانقسام الطَّبقي جراء الانهيار الاقتصادي، وبالتَّوازي مع جائحة كورونا ازدواجية الحاجة والمتطلَّب، فبات معظم النَّاس لا يستطيعون تأمين حاجاتهم، لنجد في المقلب الأخر من يتبجَّح بقدرته الحصول على المتطلَّب باهظ الثَّمن. فما بين القدرة، والمستطاع، وبين البذخ، وسهولة التَّحصيل، ظهرت الحالة الاجتماعيَّة في لبنان مصابة بنكبات حسِّيَّة، ومادِّيَّة، وإنسانيَّة، وشعوريَّة؛ الغنيَّ الَّذي يستطيع أن ينجو بنفسه ربما لأنَّه يمتلك ثمن تذكرة سفر بالدُّولار، والفقير الَّذي قضى دهسًا في معترك حياة لا يعرف عن صناعة مصائبها شيئًا، فقط يحمل الوزر، وربَّما يدفع حياته ثمنًا.
يبقى السُّؤال الآن مع توقيع العقد مع شركة فايرز لتأمين اللُّقاح، هل سيلتهم أصحاب النُّفوذ، والمستطاع غير المحدود اللُّقاح، ليتبجحوا به على السُّوشيال ميديا، ويبقى الفقير الكادح، والعامل الَّذي بات راتبه لا يتعدَّى المئة دولار عرضة لخطر الفيروس، وخطر الطَّمع وخطر اللإنسانية؟
في الزَّمن الَّذي فُقد فيه كلُّ شغف، وغابت عنه كلُّ دهشة، وأصيبت المشاعر الأنسانيَّة بالعقم، والعقل مصاب بالفتور الثَّقافي، والإنساني، لا يسعنا وبدون تعجب إلَّا لرثاء عظيم، رثاء لحالنا المصابة بالجمود، والتَّخثُّر، ولن تنقذنا إلَّا الحالات الفردانيَّة المتميَّزة الغارقة في القيم والحب، والخارجة عن كلِّ قيد، وحدٍّ علَّنا نصل للسلام.
لم يكن هذا الإنقسام على صعيد الإنسانيَّة غائبًا، هو موجودٌ دومًا، لكنَّ جائحة كورونا جعلته يطفو، وعندما يأخذ الإنقسام في النَّواحي الإنسانيَّة تراتبيَّة، ودرجات في التَّعاطف، والمساعدة، يكون السُّقوط الكبير في الظَّلام الَّذي حاول كلُّ المصلحين على مدى الأزمان الخروج منه.
أمل ناصر ناصر
كاتبة لبنانية
جريدة الأيام الإلكترونية