28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

د. جيرار ديب، فرنسا، والبحث عن دور في لبنان

د. جيرار ديب، فرنسا، والبحث عن دور في لبنان فرنسا والبحث عن دور لها في لبنان
كتب جيرار ديب :
يشير مطّلعون على الموقف الفرنسي تجاه لبنان، إلى أنّ رئيس الديبلوماسية الفرنسية، وزير الخارجية، سيحمل رسالة واضحة إلى بيروت. هذه الرسالة تعمل على استغلال الوقت الضائع، قبيل الاستحقاق الإنتخابي الأميركي. وذلك بهدف حثّ الأفرقاء، لإجراء الإصلاحات اللازمة والضرورية، للتوجه إلى المجتمع الدولي بملفّ شفاف، يسمح بإعادة إطلاق برنامج المساعدات، سواء من البنك الدولي أو مؤتمر سيدر، ولا يسمح لهذا البلد من الإرتماء في أحضان المحور الآخر لفرنسا وحلفائها.
بحسب أوساط ديبلوماسية في بيروت، فإنّ السياسة الفرنسية تتّسم بالواقعية. كما وإنّ ديبلوماسيتها، تقوم الآن بدور المواجهة للتهور الأميركي في مجلس الأمن حول ملف تعديل مهمة اليونيفيل. لكن بالمقابل، فهي لا تستطيع فعل اكثر من ذلك، طالما أنّ الأطراف اللبنانية في صراعٍ دائمٍ، وعلى مختلف القضايا.
فباريس، تدرك جيدًا أنّ الإدارة الدولية غائبة عن الشرق الأوسط. وإنّ التموضع الجديد للإدارة الأميركية بقيادة الرئيس ترامب، هو الإنسحاب من أكثر من ساحة دولية لإعتبارات كثيرة. فالولايات المتحدة، لم تعد مستعدة للعب دور الشرطي في المنطقة، كما وأنّ أوروبا اليوم ضعيفة في سياساتها الخارجية. هذا ما يسمح للأطراف الأخرى، إيران وتركيا وروسيا والصين، الخوض في صراع لملء الفراغ الأميركي-الأوروبي.
أمام هذه الصورة السيكونية، يجابه لبنان بالإصرار الأميركي على معاقبته؛ ذلك لإعتباره قد أصبح تحت الوصاية الإيرانية عبر وكيلها حزب الله. وهذا ما يعرقل مشاريع الإدارة الأميركية في المنطقة، لا سيما تطبيق صفقة القرن. لذا، يطرح الحراك الفرنسي في المنطقة بدءًا من لبنان وصولًا إلى ليبيا، أكثر من السؤال التالي: هل فعلًا تعمل الدبلوماسية الفرنسية، على إنقاذ لبنان من المأزق الإقتصادي الذي يتخبّط به؟ أم أنّ فرنسا تفتّش عن دورها الضائع في الشرق الأوسط، لتعيد بناءه إنطلاقًا من البوابة اللبنانية؟
بعد العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، والفرنسي يشعر بغدر الحليف الأميركي، لاسيما في موقفه الذي اختاره، وهو الحياد من هذا العدوان والدفع نحو إيقافه. وكان الهدف من الحياد الأميركي يومها، طرد اللاعب الفرنسي من منطقة الشرق الأوسط إلى غير رجعة.
أعيدت الكرّة في بيروت عام ١٩٨٩، مع رئيس الحكومة الإنتقالية، العماد ميشال عون، الذي كان مدعومًا من السفارة الفرنسية، والذي كان يمثّل الخط المسيحي الثالث، وهو الحفاظ على الكيان اللبناني وتثبيت وجوده. هذا الخطّ الذي توسّط بين الخطّ الأول، المنتمي كليًا إلى الدور الأميركي في المنطقة، والخط المقابل له، وهو الخطّ الماروني القومي العربي. عندها شعرت الديبلوماسية الفرنسية، بأنّ الحليف الأميركي سحب الورقة اللبنانية من يدها لإعطائها للسوري، في تسويةٍ كان العراق ضحيتها.
اليوم، وبعد ثلاثين عامًا تطلّ الديبلوماسية الفرنسية برأسها من جديد. تطلّ على شرقنا، من خلال زيارة وزير خارجيتها، جان إيف لودريان، التي تحمل شروطًا لمدّ يد المساعدة إلى الحكومة اللبنانية، على أن تبدأ الأخيرة بإصلاحات حقيقية. الموقف الفرنسي أكثر من جدي في هذا السياق ، كي يصبح لديه حجّة يحاكي بها مجموعة دول "سيدر"، المؤتمر الذي تتزّعمه فرنسا، لإخراج لبنان من أزماته.
أيضًا، هناك الساحة الليبية، ذلك البلد الذي يشكّل نقطة تحوّل للمصالح الفرنسية في القارة السوداء. إذ قرأت الخطر الداهم على مصالح شركتي النفط والغاز توتال، من الدور التركي المتصاعد لا سيما في سرت النفطية. لذا، تتضارب المصالح الفرنسية في ليبيا، مع المصالح التركية، والتي كادت أن تؤثّر على العلاقات داخل حلف الناتو كونهما يشكلان عضوين فاعلَين فيه. لكن على الساحة الليبية، فإنّ السياسة الخارجية فيها، ضبابية حاليًا، بعكس سياستها تجاه لبنان. هذا لأنّ الداخل اللبناني، رغم المعارضة فيه، إلّا أنّه يبقى أكثر تماسكًا من الساحة الليبية الهشة.
أدرك الفرنسي، أنّ الفراغ الذي سيتركه الأميركي في المنطقة، سيعوّض عنه بمجموعة لاعبين. وإنّ ترك الساحة اللبنانية تذهب شرقًا، نتيجة الضغوطات الأميركية، سينعكس على الوجود الفرنسي تحديدًا. لذا، سارع الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، من الإلتفاف على كافة الأطراف الأخرى، من خلال إدراكه ضرورة تقديم الدعم للبنان. هذا الدعم، قد يكون تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، كي يستطيع البلد، لملمة اقتصاده المنهك، ولكن دون الضعط على حزب الله. هذا الحزب الذي ينظر إليه الفرنسي، على أنه مكوّن أساسي في البلد، يجب التعامل معه.
في الشأن الداخلي، ستلتزم فرنسا عدم الخوض فيه كي لا تكون طرفًا، ضدّ آخر. فهي تدرك جيدًا، مكونات لبنان، وحساسية العلاقة بينها. وفي الوقت ذاته، لن تلعب دور المستفزّ للسياسة الأميركية، بل ستسير بحذر في محاولة منها لدعم هذا البلد.
الدكتور جيرار ديب، أستاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية
المصدر : الدكتور جيرار ديب
جريدة الأيام الإلكترونية. محليات