«معاقبة» المفكّرة والفيلسوفة اليهودية الأميركيّة نانسي فريزر: ألمانيا الصهيونية تفصّل الديمقراطية على مقاسها/ جريدة الايام الإلكترونية
وتسبّب قرار جامعة كولونيا في صدمة في الأجواء الأكاديمية العالمية، وأدان أكاديميون ألمان معروفون أمثال علماء الاجتماع ستيفان ليسينيتش، وهارتموت روزا، والفيلسوف أكسل هونيث القرار باعتباره لا يتوافق مع الحريات الأكاديمية. وقالوا في بيان أصدروه «إنّ هذه الخطوة تبدو كمحاولة أخرى إضافية لتقييد النقاش العام والأكاديمي حول «إسرائيل» وفلسطين» في إشارة ضمنية منهم إلى الخطوط الحمر التي حددتها الحكومة الألمانية، بضغوط من اللوبي الصهيوني، بشأن التضامن مع الفلسطينيين أو انتقاد حرب الإبادة الإسرائيلية ضدهم في قطاع غزّة.
وتابع البيان أنّ تصرفات إدارة جامعة كولونيا سيُنظر إليها دولياً كهجوم مسيّس على ما يجب أن تكون عليه الجامعة: فضاء للتحاور المكثّف والمثير للجدل حول القضايا ذات الصلة اجتماعياً، ومساحة لتبادل الأفكار العابرة للتخصّصات العلمية والحدود القوميّة. فيما التزمت سفارة الولايات المتحدة لدى برلين، ذات النفوذ الظاهر على الحياة الثقافية في البلاد، الصمت المطبق تجاه المعاملة المتعسّفة التي تلقّتها مواطنتها المرموقة، وغاب الصخب الذي تثيره عادة منظمات حقوق الإنسان والتجمعات الثقافية والصحف الغربيّة ضد تضييقات مزعومة على كتّاب ومفكرين في دول مثل روسيا والصين وكوريا وفنزويلا وكوبا وسوريا وإيران، فإنّ قرار جامعة كولونيا لم يخرج عن التوجّه العام للنخبة الحاكمة في ألمانيا. نخبة اختارت أن تكون صهيونية أكثر من «إسرائيل» نفسها، إلى درجة أنّ عشرات الكتّاب والأكاديميين والصحافيين والفنانين والعاملين في المجال الثقافي من اليهود المقيمين في ألمانيا كتبوا رسالة مفتوحة للسلطات أدانوا فيها حملة القمع الممنهج والقسوة المفرطة التي تشنّها ضد مظاهر تأييد الفلسطينيين في الحياة العامة، بما في ذلك الاعتداء بالضرب المبرح واعتقال يهود شاركوا في تظاهرات سلمية ضد الحرب الإسرائيلية على غزة. وعبّر هؤلاء عن مخاوفهم من مناخ العنصرية وكراهية الأجانب المتصاعد في ألمانيا، مع ذلك الخلط المتعمّد بين معاداة السامية وأيّ انتقاد للكيان الصهيوني.
نانسي فريزر (76 عاماً) أستاذة الفلسفة والسياسة في المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية في مدينة نيويورك، تنتمي إلى تيار «النظرية النقدية» التي اشتهرت – بدعم غربي – بإجرائها مراجعات نقدية للماركسية. ومن الصعب إنصاف أهمية عملها وتنوع كتاباتها ومساهماتها العديدة المؤثرة في التفكير الفلسفي والسياسي حول التحديات الرئيسية التي تواجه المجتمعات الغربيّة المعاصرة، بما في ذلك تطور النيوليبرالية المتوحشة، والأزمة في دولة الرفاه، والجدل حول أهمية إعادة التوزيع الاقتصادي والاعتراف الثقافي والمشاركة السياسية لمختلف الفئات الاجتماعية، كما مكانة الحركة النسوية، وتطوّرها في سياق العولمة.
لا شكّ في أنّ البروفيسورة لم تخسر من سمعتها المكرّسة بسحب مقعد ماغنوس منها، بل لعلها ازدادت مكانة وتقديراً لموقفها المبدئي، فيما سقطت جامعة غربيّة عريقة أخرى في أوحال الصهينة، وعقدة التفوق العنصري، والاستشراق الاستعماري الجديد. يا لها من قشرة طلاء رقيقة هذه «الديموقراطية»
سعيد محمد. المقال نشرته جريدة الأخبار في عددها اليوم
- علامات:
- ثقافة