عن الرحلة العجيبة - أبناء القمر " الموجهة للفتيان للأديب الكبير عبد المجيد زراقط التي فازت بجائزة كتارا/ جريدة الايام الالكترونية
اعتقدت بأني كتبت هذه الرواية في العام ١٩٨٤ ، غير أني قرأت ، في مفكرة ١٩٨٢ ، وهي مفكرة مازلت أحتفظ بها ، أنِّي أنهيت كتابتها ، في ٢٦ كانون الأول ( ديسمبر ) ، العام ١٩٨٢ ، وكنت متفرِّغاً ، اَنذاك ، للعمل في مجال أدب الأطفال وثقافتهم ، ولم تُتح لي فرصة نشرها في حلَّة جمالية تليق بها ، منذ ذلك التاريخ .
واذ عرفت ، في العام الماضي ، أنَّ " جائزة كتارا" تخصِّص جائزة لروايات الفتيان غير المنشورة ، أعدت النظر فيها ، وتقدَّمت بها لنيل هذه الجائزة ، لثقتي بجدِّية هذه المؤسسة وموضوعيتها ، وكانت ثقتي في محلّها ، فشكراً لمنظِّمي هذه الجائزة ولجنة تحكيمها .
الرحلة العجيبة – أبناء القمر هي رواية تروي أحداث رحلة كشفيَّة جغرافية حضارية معرفية ، يقوم بها فتيان كشَّافان شجاعان ذكيَّان مبادران ، يحبَّان المغامرة ، ويقومان بها ... .
تُروى أحداث هذه الرحلة في قصة اطار متخيَّلة ، سياقها الروائي خطِّي مشوِّق ، محفِّز للتفكير ، ينطلق من مدينة عربية جميلة الى مخيم كشفي ، الى منطقة جبليَّة ، فقمَّة جبل مطلٍّ على البحر ، فصحراء ، فوَاحَة ، فغابات أفريقية ، فمدينة أفريقية وأكواخها وقصر ملكها . توصف هذه الفضاءات الروائية وصفاً يؤدِّي وظائف معرفية وتنمية القص وخلق الدلالة ، وتجري فيها أحداث مشوِّقة مثيرة ...
يؤدِّي القصَّ ، في هذه الرواية ، عدَّة رواة ، مايشكِّل " رواية حوارية " ، وتتوالد في مساره القصص : أساطير وحكايات وقصص أحداث واقعية ... ، تُوظَّف في تشكيل بنية روائية محكمة البناء.
من هذه القصص أسطورة "ابن القمر ، واهب النار للبشر" العربية وأسطورة "سارق النار" الاغريقية ، مايتيح المقارنة بين حضارتين ، وحكايات البساط الطائر العربية ، وحكاية المارد والصياد ، مايدلُّ على عراقة القصِّ العربي وأهميته وحضارية دلالاته ، وأسطورة " أبناء القمر " الأفريقية التي تفيد أن القمر يرسل أبناءه ليساعدوا البشر ، والتي عرفها المستعمر الأوروبي ، من طريق الاستشراق ، واستثمرها في تنفيذ مشروعه الاستعاري ، وتكشف الرواية أنَّ مايحدث ، الاَن ، هو أنَّ البشر يرسلون أبناءهم الى القمر لاستكشافية . القصة الاطار تفيد من معطيات الخيال العلمي، وهذه المعطيات تتمثل في امتلاك جهاز سحري يلبِّي رغبة حامله بمجرد لمسة ، اضافة الى امتلاك مسدَّسين شعاعيين ، يطلقان أشعة لاتقتل ، وانما تخدِّر . مرجع هذه المعطيات قراءات في كتب الخيال العلمي ، وأظن أن هذا المتخيَّل العلمي غدا الاَن حقيقة ، مايفيد أن الأدباء يحلمون بمستقبل البشر والعلماء يحقِّقون أحلامهم .
تتوالد ، في هذه القصة الاطار ، قصص متخيَّلة ، مرجعها واقعي ، منها : قصص عن الحياة الكشفية ، وترويض القوي وتدجينه ، وتجارة العبيد ، واستخراج الأدوية من الأعشاب وعلاج الملك المريض بها ، وتواطؤ العملاء المحليين مع المستعمر وتركه لهم عندما يخفق ويغادر ، وتحقيق الانجاز ، من طريق امتلاك القوة العاقلة العادلة والتفكير وبذل الجهد ... . تنطق هذه البنية ، لدى اكتمال تشكُّلها ، بمنظومة قيم وطنية وقومية وانسانية ، كما يرشح العطر من الزهرة ، من دون أيِّ تدخُّل من الرواة . ويمكن للفتى القارئ أن يتبيَّن تلك القيم بيسر، أوببذل بعض الجهد ، في فضاء جمالي روائي . وتُترك النهاية مفتوحة ، ليكون القارئ شريكاً في الابداع الروائي .
يسعدني نيل هذه الجائزة ، وخصوصاً لأنها أثبتت لي ، وأنا الباحث الأكاديمي ، أنِّي تمكَّنت من كتابة رواية للفتيان استحقت نيل "جائزة كتارا" ، ماأتاح لي الاجابة عن سؤال اشكالي طالما بحثت عن اجابة له ، وهو : هل يمكن للباحث / الناقد أن يكون أديباً مبدعاً ؟
شكراً ل"كتارا" منحي جائزتها ، واتاحتها لي الاجابة عن سؤال طالما بحثت عن اجابة له ، وكان اشكالية من اشكاليات أطروحتي للدكتوراه الأولى : " الشعراء اللبنانيون نقَّاداَ " .
د. عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص وروائي.
جريدة الايام الالكترونية. بيروت
- علامات:
- ثقافة