28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

طارق ليساوي :هل نضال “الحريات الجنسية" نابع عن ضرورة إجتماعية ملحة؟ أم أنه خدمة لأجندات غربية لتغيير بنية وقيم مجتمعاتنا العربية؟ / جريدة الأيام الإلكترونية

طارق ليساوي :هل نضال “الحريات الجنسية" نابع عن ضرورة إجتماعية ملحة؟ أم أنه خدمة لأجندات غربية لتغيير بنية وقيم مجتمعاتنا العربية؟ / جريدة الأيام الإلكترونية كتب الإعلامي والأكاديمي الدكتور طارق ليساوي:
أشرت في مقال ” هل من العدل و المصلحة العامة إباحة الفاحشة تحث مسمى ” العلاقات الرضائية”؟ إلى أن جعل الغرب و إنجازاته الحضارية و غثه و سمينه البديل الوحيد و الطريق الفريد ، أمر فيه مجانبة للمنطق السليم ، فنحن ورثة حضارة سامقة و ندين بدين صحيح و منهج رباني قويم ، و ينبغي أن نبحث عن علاجات إسلامية لمجموع الاختلالات البنيوية التي تعيشها مجتمعاتنا، و لا يمكن البحث عن هذه العلاجات دون وجود رؤية شاملة و متكاملة تشمل مختلف مناحي حياة الفرد و الجماعة و المجتمع، فالإسلام دين ودنيا..
و لا يعني موقفنا هذا دعوة إلى التزمت أو الإنعزال، بل الأخذ بما ينفع في بناء المجتمع السليم و توسيع خيارات الإنسان، ونحن نتابع ما ألت إليه الأوضاع في العالم الغربي من شيوع للقيم المدمرة للإنسان، حذر من خطر الإنجرار إلى ذات المصير.
كما أن مجتمعاتنا العربية و الإسلامية مصابة بعلل و أمراض إجتماعية شتى، ولعل أخطرها سيادة الفساد والإستبداد والسيطرة التامة على الموارد و القدرات واستغلالها لخدمة الأقلية المحظوظة في مقابل تفقير الأغلبية الساحقة، وتبني سياسات تنموية فاشلة وإستراتيجيات منحرفة، تعمق الإستعباد والإستغلال والإحتكار.
فمن الغريب والعجيب في أغلب بلداننا العربية التوسع في المطالبات بحريات فردية كحرية الجسد مقابل الصمت على حريات أهم و أخطر كالحق في حرية التعبير و إبداء الرأي و الحق في المساءلة و النقد للتغمة الحاكمة، ففي الوقت الذي تكمم فيه أفواه الأحرار المنادين بالحريات المدنية و السياسية و الحق في العيش الكريم الذي يصون كرامة المواطن، و توسيع خيارات الناس بتوفير الخدمات و السلع العمومية بجودة و كلفة في متناول الغالبية، نجد جهود بعض ” المثقفين” لا هم لهم إلا توجيه سهام النقد و التجريح و التشكيك إلى الإسلام و شرائعه ، و تغيير أولويات المجتمع بالتركيز على الثانوي و إهمال الضروري، هل حقاً الحرية الجنسية أولوية الأولويات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ هل الدفاع عن حقوق الشواذ ضرورة ملحة؟ هل يعقل أن تكون هذه هي الأولويات الملحة و المستعجلة ، في وقت لا زلنا نعاني من قمع حريات الرأي و التعبير ، في وقت لازالت بلداننا عاجزة على توفير السكن اللائق لأبنائها و خلق فرص الشغل الكافية لتشغيل عاطليها و ضمان العيش الكريم لغالبية شعبها؟
هل هذا النضال ” الجنسي و التحرري” نابع من حاجة محلية و ضرورة إجتماعية؟ أم أنه تعبير عن حاجة أصحابها؟ أم أنه عملية مستوردة ، خاصة و أن العديد من الهيئات و المنظمات الغربية تقد دعما ماليا و لوجيستيا لمثل هذه النضالات..فهل من المعقول أن نغير أولوياتنا تبعاً للتغييرات الناشئة في البلدان الغربية؟
فالغرب بعد أن أنهى هدم كيان الأسرة في دياره و طبع مع الشذوذ و المثلية الجنسية و الحرية الجنسية ، و أزاح كل الحدود و القيود و صار من المألوف في هذه البلدان أن ترى وزيرة للعدل بجمهورية الأنوار حاملة بلا زواج ، بل و يتساءل الناس عن من يكون والد جنينها ؟!.. فقد أدى التغير الإجتماعي الكبير الذي حصل في فرنسا مثلاً، منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي إلى زيادة كبيرة في عدد من يولدون خارج إطار الزواج، إذ بلغت نسبتهم عام 2016 أكثر من 60%..وبهذه النسبة تكون فرنسا في صدارة الدول الأوروبية بهذه الظاهرة، إذ إن تلك النسبة لا تتجاوز 9.4% في اليونان وتقل عن 30% في خمس دول أوروبية أخرى.. وفي السابق -وخصوصا الفترة من بداية القرن العشرين حتى عام 1978- لم تكن النسب المئوية للولادات خارج إطار الزواج بفرنسا تزيد على 10%، اللهم إلا خلال الحربين الكونيتين الأولى والثانية، بل كان هذا مرفوضا لدى الغالبية العظمى من الفرنسيين. لكن حالياً، المجتمع الفرنسي لم يعد يستهجن ما كان يطلق عليه “الفتيات الأمهات” أي اللاتي تنجبن أطفالا رغم أنهن غير متزوجات، أو اللواتي يطلق عليهن في الغرب ” أمهات عازبات”.
فالغرب عموماً، وصل ل”سدرة المنتهى” في ملف الحريات الجنسية والأسرية ، و الدور الأن على أمة العرب و المسلمين، التي إن أرادت التنمية والحرية والديموقراطية والإستقرار فعليها الخضوع لإملاءات الحكومة العالمية المتعددة الجنسيات والمتعددة “الهويات الجنسية”.
إذاً إذا أرادت بلداننا تنمية تحترم الهوية و القيم الإسلامية، فينبغي أن تعتمد على مواردها الذاتية و على تمويل وطني غير مشروط بإملاءات غربية، فهل حقا نحن قادرين على سلك هذا المنحى ؟؟
نحن في حاجة إلى تنمية و تنشئة إجتماعية و تعليم ينسجم مع البيئة الثقافية و الحضارية المحلية، تعليم بلغة البلد لا بلغة الغير، فإهمال التدريس باللغة العربية في أغلب البلدان العربية جريمة تنموية و ثقافية و حضارية بكل المعايير، فاليابان تدرس باليابانية و الصين تدرس بالصينية، و لعل المبدأ الياباني القائم على قاعدة “التقنية الغربية و الروح اليابانية ” هو الوصفة السرية والقاسم المشترك بين أغلب التجارب التنموية الناجحة في أسيا و غيرها ، وللأسف تخلف البلدان العربية نابع من إهمال البعد الحضاري و الخصوصية الثقافية للشعوب العربية التي تدين غالبيتها العظمى بالإسلام، و السعي الحثيث لإستنساخ الصالح و الطالح من الغرب.. و لذلك، أرى أن البلدان العربية لن تخرج من دورة التخلف و التبعية إلا بتبني مبدأ “التقنية الكونية و الروح الإسلامية “ .. و الله غالب على أمره و لكن أكثر لناس لا يعلمون..
المصدر: رأي اليوم