عبد المجيد زراقط، دور العلماء العامليين الأدبي {الشيخ أحمد عارف الزين (1883– 1960م)} / جريدة الأيام الإلكترونية
في هذا العام، بدأ حياته الصحفيَّة والأدبية والسياسية، فراسل أكبر الصحف المنتشرة في العهد العثماني، وهي: "حديقة الأخبار" لصاحبها خليل الخوري، أنشأها سنة 1898م. وثمرات الفنون" التي أنشأها أدباء المسلمين وعلماؤهم في بيروت سنة 1875 م. و"جريدة الاتحاد العثماني" لصاحبها الشيخ أحمد حسن طبارة()..
يقول الشيخ أحمد عارف الزين، في مقالة له عنوانها: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبيلنا"، نُشر في "العرفان" سنة 1952: "... ابتدأنا الكتابة منذ 55 سنة. وأوَّل كتابتنا كانت في "ثمرات الفنون" و"الاتحاد العثماني"، ثم في جريدة "حديقة الأخبار"؛ إذ كنت وكيلها ومراسلها في صيدا، وكل كتاباتنا، أو جلُّها، كانت في محاربة الزعماء المستبدِّين، ونقد الموظَّفين الخائنين المرتشين، ونصرة القائمين بنشر الحرية والدستور"()..
بعد أن تمرَّس في الكتابة الصحفية، أنشأ مجلَّته "العرفان"، وصدر العدد الأول منها في المحرَّم سنة 1327هـ، الموافق لشهر شباط سنة 1909، في 114 صفحة، وظهر على غلافها التعريف الآتي: "العرفان، مجلة علمية، أدبيَّة، أخلاقية، اجتماعية، تصدر كل شهر عربي، لمنشئها أحمد عارف الزين في صيدا...، وإلى يمين هذا التعريف الآية الكريمة: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمونوإلى اليسار: تعلَّم العلم من المهد الى اللحد. تحدَّث، في افتتاحية العدد الأوَّل، عن انتشار أشعَّة الحرية على أرض السلطنة العثمانية، وعن تشوُّقه، منذ نعومة أظفاره، لإنشاء صحيفة يتمكن بها من خدمة أمَّته ووطنه، ونشر، في العدد نفسه قصيدة من نظمه عنوانها: "الحرية تشكو"، جاء فيها:.
كـيـف أشـكو مـن البريَّـة ضـيـما.
ومن الرُّوح فــي الجسوم بقيَّـة.
أسـروني، فـهـان أسـري لديـكـم.
كيف، يا قوم، تؤســر الحريَّـة.
هـدمـوا مـجـدي الـمـؤثـل حـتـى.
بــتُّ مرمــى لأسهــم العصيَّة.
أقـضـت سـنـة الــتـمــدُّن فــي ذا.
أم قضت فيه بدعة الهمجيَّـة؟.
عيِّل صبري، وطال منكم صدودٌ.
أيـن أنـتـم؟ يا للوفـا والحميَّـة.
نـسـيـتـم زمـان رغــدٍ تـقـضــى.
فـي حـمـاكـم ودولـة عربيَّـة؟.
وهكذا نشأت أول مجلة شهرية في صيدا وجبل عامل، وشرعت تنافس أشهر مجلات الوطن العربي كـ"الهلال" و"المقتطف"، وبدأ يكتب فيها كبار الكتَّاب في الوطن العربي..
وفي 11 كانون الأول، سنة 1910، أسَّس مطبعة "العرفان" في صيدا، التي ضاهت أهم مطابع الشرف في تلك الأيام وفي 28 كانون الأول، سنة 1911، أصدر العدد الأول من جريدة "جبل عامل"، ودامت حتى العدد 42، تاريخ 28 تشرين الثاني سنة 1912؛ حيث صادرتها السلطات العثمانية، وأحالت صاحبها إلى المحكمة على المجلس العرفي في بيروت الذي حكم عليه بالسجن لمدَّة شهر ونصف الشهر..
وجاء في العدد الأول من هذه الجريدة: "لا تتبع الجريدة خطة ملتوية ومبدأ متغيِّراً، وإنَّما تعتصم بالحق في كل حال، وتنطق بالصدق، ولو أدى بها إلى الاضمحلال" واتبع ذلك بهذا البيت من الشعر:.
عليك بالصِّدق، ولو أنَّه.
احزمك الصِّدقُ بنار الوعيد.
في الوقت نفسه الذي كان يصدر فيه مجلَّته وجريدته، كان يعمل في الحقلين السياسي والاجتماعي، فيشارك في تأسيس الجمعيات الاجتماعية والسياسية، ومنها "جمعية نشر العلم في صيدا"، وجمعيات عربية سريَّة ناوأت الأتراك، وعملت لاستقلال البلاد العربية، ومنها "جمعية العهد"، و"جمعية الشبيبة العربية"، و"جمعية الإصلاح" و"فتاة العروبة"، كم كان يشارك في المؤتمرات الوطنية، وفي الوفود التي تسعى في سبيل استقلال الوطن العربي والوحدة السورية، ما جعل منه مناضلاً لا تفتر له همَّة، متبعاً نهجاً يتمثل في محاربة الاستبداد والتخلُّف وتشجيع العلم والأدب والثقافة. يقول عبد اللطيف شرارة: "حين أنشأ الشيخ أحمد عارف الزين مجلَّة "العرفان" ومطبعتها في صيدا، عام 1909، أصبحت بعد فترة وجيزة، ملتقى الأقلام وبوق النهضة المتصاعدة، إلى جانب "الهلال"، و"المقتطف" و"المشرق"، وأعادت في صيدا وجبل عامل سيرة "الجوائب" ومطبعتها اللتين كان يشرف عليهما أحمد فارس الشدياق، في "الآستانة"، عاصمة السلطنة العثمانية()..
مثَّلت "العرفان" حركة ثقافية نهضوية: أدبية، علميَّة، وطنيَّة، اجتماعية، ندر أن انفرد بإدارتها والإنفاق عليها، مالاً وجهداً، رجل واحد، لا ينفكُّ يردِّد: هــبُــوا إلى العلــم والتهذيــب جهدكـم.
فإنَّــمـا أعلــم الأقــوام أســعــدها.
واسترشدوا بضياء العرفان، واقتبسوا ما ظلَّت الناس والعرفان مرشدها.
ويتوِّج عرفانه بشعار هو" "حبُّ الوطن من الإيمان". وقد دامت هذه الحركة خمسين عاماً في رعايته لم يمنعه تعطيل أو سجن عن الاستمرار في نهجه، فقد عُطلت جريدته وعرفانه، في زمن العثمانيين، وسجن خمسة وأربعين يوماً، ثم أُحرقت مطبعة العرفان سنة 1915، وسُجن أيضاً. وفي زمن الاحتلال الفرنسي، سنة 1928 نُفي من وطنه، ثم سُجن سنة 1936. وتوفي، وهو يؤدِّي صلاة الصبح في محراب الإمام الرضا (عليه السلام) في مدينة مشهد، ودُفن هناك، في 22 ربيع الثاني سنة 1380 هـ، الموافق 12 تشرين الأول سنة 1960 م..
دعا الى الاتفاق بين جميع الأديان السماويَّة، وإلى وحدة المذاهب الإسلامية، إضافة إلى هذا كلِّه، كان منزله في صيدا، محطَّة للسياسيين والمفكرين والشعراء اللبنانيين والعرب الذين يزورون لبنان، كما كانت أبواب هذا المنزل مفتوحة أمام كلِّ زائرٍ وقاصد حاجة....
من مؤلَّفاته: تاريخ صيدا، مختصر تاريخ الشيعة، رواية الحب الشريف. وهكذا، كما يبدو، كان الشيخ أحمد عارف الزين رجل نهضةٍ في مختلف المجالات: في الصحافة والأدب والتاريخ والسياسة والعمل الاجتماعي والوطني، و"لم تتسع يده لغير مقبض القلم الذي حمل به لواء العفَّة والطهارة والإصلاح، وقاوم الطغيان والجهل والإقطاع، فعاش سنواته السَّبع والسَّبعين عيشة التقشف والإباء"()..
د.عبد المجيد زراقط - أكاديمي. ناقد أدبي - قاص وروائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت.
----------------------------
ملحوظة : ماتنبغي الاشارة اليه هو أنَّ كل اقتباسى من أي مرجع مُحال الى مرجعه في الهوامش ، لكن الهوامش لاتظهر في نهاية المقالة ، لأسباب تقنية، فاقتضى التوضيح.
- علامات:
- ثقافة