28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

عبد المجيد زراقط، دور العلماء العامليين الأدبي {الشيخ سليمان ظاهر (1290هـ/1873 – 1960)} / جريدة الأيام الإلكترونية

عبد المجيد زراقط، دور العلماء العامليين الأدبي {الشيخ سليمان ظاهر (1290هـ/1873 – 1960)} / جريدة الأيام الإلكترونية ولد الشيخ سليمان ظاهر في مدينة النبطية، "في محاضر إعلان الدستور العثماني، وتفتَّح على نشوة تنادي المتنورين بالحريَّة والمساواة والإخاء، يوم اضطرَّ السلطان عبد الحميد إلى إعلان الدُّستور والشُّروع بتنفيذه"(). عندما بلغ العامين من عمره، توفيت والدته، فكفلته خالته، تلقى دروسه الأولى على بعض شيوخ مدينته، وواصل التعلُّم متنقلاً بين مدينته فالنبطية الفوقا والنُّميرية، في مدرسة السيِّد حسن آل إبراهيم، فالنبطية الفوقا، في مدرسة السيد محمد نور الدِّين، فبنت جبيل في مدرسة الشيخ موسى شرارة، فمدينته في مدرسة "النورية"؛ حيث تلقى العلم على الشيخ جود آل سبيتي بدءاً من سنة 1889 م. وفي سنة 1892، افتتح السيد حسن يوسف مكي المدرسة الحميدية في النبطية، فالتحق بها، وتلقى العلم على الشيخ أحمد آل مروة، والسيد حسن يوسف مكي، واستمر يواصل تلقِّي العلم في المدارس وعلى شيوخها حتى سنة 1987، فمنذ هذه السنة، انصرف الى المطالعة وتحصيل المعرفة، وكان يحرص على متابعة الحياتين الثقافية والسياسية، من طريق قراءة المجلَّات العربية التي كانت تصدر في أيامه، ومنها: الهلال والمقتطف والمنار ومجلة المجمع العلمي العربي في دمشق والمقتبس والعرفان(). وفي الوقت نفسه، كان يكتب المقالات وينشرها، وينظم الشِّعر، فأصدر سنة 1888 م باكورة شعره.
أسس، سنة 1899، مع صديقيه: الشيخ أحمد رضا ومحمد جابر آل صفا "جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في النبطية"، وكان نائباً للرئيس في هيئتها الإدارية، ومن أركانها طوال حياته "رافقها مدماكاً مدماكاً". وفي هذا المجال الاجتماعي التربوي، انضم الى جمعية التعاون الخيري، وشارك في تأسيس "المحفل العاملي" وانضم الى الجمعية الخيرية العاملية". وفي المجال السياسي انضم الى فرع "جمعية الاتحاد والترقِّي في النبطية، لكنه "سرعان ما تركها بعدما انقضى شهر العسل بين هذه الجمعية والعرب"().
داهمت السلطات التركية منزله غير مرَّة؛ وذلك لأنه "أصبح قطب الرُّحى في سياسة جبل عامل، في مرحلة حرجة من أشدِّ المراحل التي مرَّت على البلاد. وسيق في حزيران، سنة 1915، إلى الديوان العرفي في عاليه للمحاكمة السياسية، إذ إنه كان من القادة المطالبين باستقلال البلاد العربيَّة عن السلطنة العثمانية.
وفي زمن الانتداب الفرنسي، واصل نضاله، ما جعله "عرضة للتنكيل به من قِبل فرنسا كما نكلت به في السابق تركيا...". فلطالما هدَّد الحاكم الفرنسي النبطية، فقد قال في دار حكومة النبطية في 4/6/1919: "إن للنبطية منَّا يوماً أسود، وخصوصاً ظاهر ورضا وجابر"()
. بعد استتباب الانتداب، تولَّى عدة وظائف، منها: عضو في محكمة بداية كسروان 1923م، وحاكم صلح في الهرمل 1923، ثم في النبطية 1925، ثم عُزل من الوظيفة بسبب مواقفه الوطنية.
بعد الحرب العالمية الأولى، انصرف إلى التأليف ونظم الشعر والكتابة في الصُّحف.
ثم، وفي إثر وفاة صديقه الشيخ أحمد رضا، انعزل في بيته، وقرَّر نشر مؤلفاته، غير أنَّ الأجل عاجله، فتوفي في الخامس من كانون الأول سنة 1960"، فصحَّ فيه قول عباس الصالحي في رثائه:
وما سليمان إلاَّ الحقُّ مضطهد
في موطن عاش فيه الغشُّ والدَّجل
شـخصٌ تأجَّج فيه العزم ملتهباً
فلـيـس يـثـنـيه عـن إقدامـه الوجلُ
وشـاعر رتَّـل الأشـعـار رائعةً
فـهــزَّ كـلُّ فــؤاد شـفْــه الـغـزلُ
وقـائـد وطنـي لـيـس يـرهـبـه،
عند الشدائد، لاوس ولا وجـلُ()
من مؤلَّفاته: ديوانا شعر أولهما الإلهيات وثانيهما الفلسطينيات. قصيدة بعنوان "المهرجان الألفي لأبي الطيِّب المتنبِّي، تاريخ قلعة الشقيف، الذخيرة إلى المعاد في مدح محمد وآله الأمجاد، معجم قرى جبل عامل. القصَّة في القرآن الكريم، الملحمة العربيَّة الإسلاميَّة، الرحلة العراقية الإيرانية، تاريخ الشيعة السياسي، مقالات وقصائد منشورة في الصُّحف، وخصوصاً في العرفان لم تجمع.
"غلب على شعر الشيخ سليمان ظاهر الطابع الوطني والطابع الديني. وهو في المجالين يمتاز بنكهة خاصة. ففي شعره الوطني استشراف ذكي للمستقبل بعد تصوير حي صادق للواقع. هاتان الميزتان تجعلانه خالداً. وهل نجد أصدق من سليمان ظاهر حين يقول:
أعـامـلـه تشقى ولبنان ناظر
وما مـن كـمـي عـن حـمـاها بـدافـع
كأن لم تحركه مصارع فتية
بـ"حـولا"() فلم يثأر لتلك المصارع
أيـهـدأ لـبـنـان ومـنـه جنوبـه
فــريـسـة أنـيـاب الذئـاب الـقـواطــع
إذا دولة لم تحم شطراً مقوما
لـهـا وهـي عــن سـكـانـه لـم تـدافـع
فما هي في ملك له بجديرة
وقــد هـالـها حـتـى نقيق الضفادع()
ولعلَّ أكثر ما آلمه التفرق الذي يؤدِّي إلى أن يسود الأسافل...: شر البلاد بلاد
بها الأسافل سادوا
فشا التفرق فيها
كما استطال الفساد()
كانَّما القوم ممن
أبـقـت ثـمـود وعـاد
ويرى بأن ائتلاف الناس وحدتهم الحل الذي لا بديل عنه فيقول: مطـلب القـوم وحـدة لا انـقـسام
ونـظـام لا مـــبـدل أو بـــديـل
وائتلاف على اختلاف الديانات
لشـعـب قـد وحـدتـه الأصـول
إن للــقـــوم وحــدة لا تـــجــزا
لا ولا عـقـد حـبـلـهـا مـحـلول
فـرقـتـهـم سـيـاسـة الـغـاصــب
الوثاب لا ذكرهم ولا الإنجيل
وكما في مكان آخر:
لو عقلوا لآثروها دولة
واحدة على هزيلات دول
ويرى الاستعمار سبب الداء ولن يكون دواء:
ما دواء استعماركم يناجع فينا
وذاك الدواء داء وبيل
ولا تغيب صورة المخادع عن ذهنه عندما يتحدث عن بريطانيا، يقول: كم خدعت متوجا وأميرا
عربياً بوعدك الممطول
ويعجب كيف ننشد الحل خارج تراثنا، ونحن أبناء من:
مـلكوا الدنـيا وفــي أحكامهــم
بـبـنـيـها عـمـد العدل أقاموا
لم يضع في حكمهم حق امرئ
لا ولا حكمهم قطُّ اهتضام()
كان الشيخ سليمان ظاهر أول من دعا لاستعمال النفط سلاحاً لتحرير فلسطين:
ولكثرة ما لجأ العرب إلى الأمم المتحدة، وقد كانت تسمى بعصبة الأمم ثم بهيئة الأمم، إلا أنه لم ير في كثرة التسميات خلاصاً للعرب؛ إذ يقول: كلتاهما ما حقق أملا
للسلم في عرب وفي عجم()
أما شعره الديني فوقع للتعصب الطائفي المقيت، وعودة الى جوهر الدين الداعي للمحبة والسلام والوئام والائتلاف().
ويلتفت إلى دين طه فيقول:
وهل دــين طه ســنَّ يــوماً لمسلم
جـفـاء مسيحـي وترويـع مسلـم
ويأبــى لنا الديــنان ظــلمـا وجفوة
وتقطيع أوصال لتحصيل مغرم()
سلام على موسى وعيسى وأحمد
مصابيح فيها ينجلي كل مظلم()
وبالإضافة إلى أن جوهر الدين موحد، فإن الوطن موحد أيضاً ويرى بأن التفرقة اصطبغت بصبغة الدين ولكنها في الحقيقة ناتجة عن مصالح سياسية، يقول:
داءان قد صـرعـاهـا داء فـرقـتـها
بالطائـفـيات مع داء الدويلات
وإن عليهم قضى حكم السياسة في تقسيم وحدتـهم جوراً لوحدات
وإن هــو اخـتـلفـوا ديـنـاً فــإنـهــم
في دين أوطانهم اخوان علات.
الدكتور عبد المجيد زراقط. أكاديمي - ناقد أدبي - قاص وروائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت.
*******************
ملحوظة : ماتنبغي الاشارة اليه هو أنَّ كل اقتباسى من أي مرجع مُحال الى مرجعه في الهوامش ، لكن الهوامش لاتظهر في نهاية المقالة ، لأسباب تقنية، فاقتضى التوضيح.